الاعلام تايم - الوطن أون لاين
وبعد أن درسنا في الغرب واطّلعنا على ما تيسر لنا من أدبه وتاريخه وفنونه كما اطلعنا على ما أتيح لنا الاطلاع عليه من ثقافات وكتابات أدباء القارات الأخرى كأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وجدنا أن المحلية والالتزام قد شكّلا رافعة لمعظم الأدباء والكتاب الذين وصلوا بكتاباتهم إلى العالمية الحقيقية وليس العالمية التي تشير إلى الدول الغربية فقط، واكتشفنا أن التهم التي كانت تُوجَّه لكثير من الكتاب وخاصة النساء منهم بأنهم يرتكزون إلى قصصهم الشخصية أو إلى معارفهم المحلية، هي تهم تنطبق على كبار الكتاب العالميين من تولستوي إلى تشيخوف وماركيز وبيرسي بيش شيلي وجون ستيوارت ميل وماري ولستون كرافت وغيرهم الكثير، أي إن المحلية والالتزام لم يكونا عائقاً البتة في الوصول إلى العالمية بل كانا العاملين الأكثر أهمية في اعتلاء سلّم العالمية. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسيطرة القطب الواحد على مقدرات وإعلام وناصية الفنون الأدبية والسينمائية والمسرحية في الغرب اختفى هذا الجدل ليحلّ محله جدل أكثر خطورة وهو أن التميّز والإبداع حكر على المؤسسات الغربية؛ فهي التي تمنح جائزة نوبل وجوائز الأوسكار، وهي الوحيدة التي لها القول الفصل في تحديد من يحتلّ الصدارة في أعلى قائمة المبدعين من كل أنحاء العالم. ولكون الغرب بأجهزته السياسية والمخابراتية هو الذي ينفق على هذه المؤسسات والجوائز وهو الذي يشكّل لجان التحكيم فقد أصبح له القول الفصل بغض النظر عن أي قول آخر في تحديد مستوى الإبداع وأسماء المبدعين، ووصل هذا الأمر إلى مرحلة خطيرة لأن عدداً من الكتاب والفنانين والمبدعين من أبناء الدول التي استعمرها هذا الغرب عقوداً طويلة أخذوا يتنافسون بالكتابة وفق معايير وقيم الغرب ناهيك عن الكتابة بلغته التي هي أمر مفهوم لإيصال الرسالة، ولكنّ فحوى الرسالة هي المهمة، وفحوى هذه الرسالة وصلتها بالقيم الوطنية والحضارية للكاتب نفسه أو تقمّصها لقيم وأخلاق المستعمر أملاً في إرضائه والفوز بقبوله وتقييمه الإيجابي.
ومن هذا المنطلق أخذ بعض الكتاب من المغرب العربي والمشرق يتنافسون على خطب ودّ الغرب وقبوله والكتابة وفق ما يرضيه من خلال تكريس كل الهنات والعيوب المجتمعية التي يتهمنا الغرب بها وتضخيمها والتركيز عليها، وكأن الغرب لا علّة فيه، بل أيضاً الادعاء بأنها هي علة العلل في مجتمعاتنا كي تلقى أعمالهم الرواج المطلوب في الغرب وكي يتم تبنيهم في المؤسسات الغربية واعتماد إنتاجهم الفكري. ويحضرني في هذا المضمار رواية الطاهر بن جلول على سبيل المثال لا الحصر «ابنة الرمال» التي كرّس فيها مفهوم توق العربي لأن يرزق بالصبي بدلاً من البنت والمدى الذي يمكن أن يذهب إليه كي يحقق في عائلته الذكورة التي هي حلم ورغبة كلّ رجل عربي كما صوّرها. وطبعاً صدرت الرواية بالفرنسية ولاقت ترويجاً هائلاً ونال الطاهر بن جلول كلّ الأهمية التي يسعى إليها في أعين الفرنسيين، ومثله كثر طبعاً. ومن هنا أصبح الطريق إلى العالمية مشروطاً بتبني وجهة نظر الغرب عن أنفسنا والتركيز على عيوبنا كما يراها الغرب والتشهير بمجتمعاتنا وتراثنا بما ينسجم مع آراء المستشرقين والذين شكلوا الفكرة السلبية الأساسية للغرب عن العرب ومثالب تاريخهم وعيوب حضارتهم ومشاكل مجتمعاتهم.
ومن هنا أيضاً بدأ الغرب يحارب حكومات الدول المتحررة حديثاً فيطلب أعمالاً أدبية تعكس الأوضاع السياسية وتضخم فيه عيوب وأخطاء مجتمعه كما عملت الصومالية المسلمة «أليفة علي» حيث قدمت صورة مشوهة عن بلادها وشعبها ودينها كي يتم قبولها في المراكز البحثية الغربية، وفي المقابل فقد امتنع الغرب عن نشر المنتجات الفكرية التي تتحدث بواقعية وصدق عن العرب، وإذا تم نشر بعضها في ساعة غفلة منه فقد تأكدوا من عدم الترويج لها أو وصولها إلى مراكز الشهرة التي تروّج للواقع الحقيقي لأخلاقيات هذه المجتمعات العربية والتي هي بعيدة كلّ البعد عن التشويه المتعمد الذي ألحقه الغرب بهذه المجتمعات بعد أن نهب ثرواتها واستعبد أهلها لعقود من الزمن. وهكذا أصبح الغرب يبحث عن مثقفين يعادون حكوماتهم التي تقف في وجه الأطماع الغربية، ويروّجون لأعمالهم، ويطلبون منهم الانشقاق واللجوء إلى الغرب لتصحيح مكانتهم ودورهم.
|
||||||||
|