أحوال البلد

معلولا ... ومسبحتي صلاة على صدر جنديين سوريين

ربى شلهوب


خاص- الاعلام تايم
كان الصباح ماطرأ حين أعددت العدة للذهاب الى قرية هُجرت منها عنوة، بعد أن دخلها الإرهاب الذي عاث فيها فساداً، انطلق الموكب وانطلقت معه أفكاري... تأتي وتذهب ...دون أن التقط ولو فكرة واحدة لأعرف بما أفكر... كان الطريق طويلاً وكنت أراقب عقارب الساعة وكأنها واقفة ترفض أن تسير..وخيالي يسرح في مشاهد اعتدت أن أراها قبل الوصول بدقائق إلى بلدتي الصغيرة ..تسارعت دقات قلبي وتضاربت أفكاري، "معلولا" كيف لي أن أقابلك هل سأحتضنك؟هل سأضحك أم أبكي؟ أي حلة أعددتي للقائي؟.
فتحت نافذة السيارة لاستنشق هواءك النظيف الذي اعتدته لكن ..هناك شيء تغير بنسماتك لم أدرك ما هو إلى أن وصلت ووطئت قدمي أرضك المقدسة لكنك لم تستقبلني كما عهدتك دائماً فهذه المرة كان السواد يعتليك والدمار منتشر بكل مكان، لم أصدق ما رأيت أهي معلولا تلك الفتاة التي ذاع صيت جمالها أراها اليوم وقد أغتصبت ومزق ثوبها وحرق.
في كل مكان سرت كنت كالمجنون التائه الذي لا يعرف إلى الصواب طريقاً، دخلت بيوتها فلم أجد إلا خراب وحريق أتى على كل ما هو جميل.. دخلت الأديرة والكنائس فلم أجد من الكنائس إلا دمار وسواد، غلبتني دموعي  وكأنها تريد أن تغسل  السواد الذي عم المكان، نظرت حولي ولم أكن أدري من أين أبدأ فكل ما هو مقدس دمر كل المذابح المقدسة هدمت كل الصلبان، أجراس اعتدت سماعها أنزلت، و تمثال للسيدة العذراء خرب على تلك الصخرة ليبقى صوت فيروز يرنم للعذراء مريم منادياً "يا أم الله يا حنونة ".
التخريب طال كل شيء لا يمكن أن تستثني أي مكان،  صعدت إلى مقام القديسة تقلا حيث اعتدت الصلاة بكل مرة أشعر بضيق الحياة فأفضي ما أعتلاني من هموم، لكن الرماد المتبقي ونبش قبر القديسة تقلا صدمني، التفت حولي أبحث في السواد الذي عم المكان عن الباب لأخرج، أطبق الصمت علي.. تجولت في الردهات محاذرة  المقدسات التي بعثرت هنا وهناك،  لأصادف فتاة تنحني إلى الأرض تناولت مسبحتي صلاة وبادرتني بالقول  "إنها ملك للدير وأنا لا يمكن أن أخذها ولا أستطع أن أدعها ملقاة على الأرض"، واستدارت بإتجاه جنديين ألبستهما المسابح وهي تقول لهم "أنتم استعدتم الدير وهذه هديته لكم ليحميكم" وانطلقت بعينين دامعتين.
في طريق عودتي الى البلدة كانت إمراة خمسينية تجلس على ما تبقى من كرسي في الساحة اعتلا وجهها الحزن اقتربت منها محاولة رسم ابتسامة وقلت " المسيح قام ..حقاً قام"، ردت السيدة نعم نحن في زمن الفصح، وتابعت بأسى"  احترق بيتي راح كل شي" لم يكن بإمكاني أن أجيب ولزمت الصمت، فهذه المرأة أعرفها حق المعرفة أم لثلاثة أطفال زوجها مريض لا يعمل وهي كانت تعمل بمدرسة البلدة، وكانت في كل مرة تدخر بعض المال لتشتري وبالتقسيط أثاث بيتها، والأن أين ذلك البيت احترق، كما احترق  "حلم" صديقة لي او بيتها الذي كانت تطلق عليه "حلمي الصغير"، تلك السيدة  كابدت من عناء الغربة لتعود وتبني حلمها ببيت صغير ومطعم كان بيت الجميع، هي التي كانت تستقبلنا بابتسامتها الجميلة وكلامها الأجمل، اقتربت من المكان دخلت البيت فلم أجد من ذلك الحلم إلا صورة نجت من حريق قضى على كل شيء، كما قضى على بيوتاً أخرى هناك لتتعانق فوق بعضها وتشكل لوحة فريدة يتصاعد منها الدخان وكأنه صوت صامت قبل أن يصبح في عداد الأموات.
دقت ساعة الصفر وغابت الشمس معلنةً نهاية يوم في أحضان من أحب، لكن لابد لي أن أعود أدراجي فتستوقفني سيدة وتقول لي "نعم استرجعنا معلولا بهمة شباب الجيش العربي السوري رغم جغرافيتها المعقدة ..نعم إنني سعيدة .. وتغص الدمعة في عينيها و تقول " لكن أين لنا نحن أبناء معلولا أن نفرح وأبناؤنا الستة المخطوفين لا يزال مصيرهم مجهولاً، فرحتنا لن تكتمل إلا بعودة المخطوفين فلا فرح من دون العودة الكاملة".
اتجهت نحو السيارة التي ستقلني إلى دمشق، بدأت بالسير المعاكس تاركة قلبي وعقلي عند محبوبتي الغالية معلولا.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=10&id=7637