وجهات نظر

تحولات العصر

مصطفى المقداد


الاعلام تايم - الثورة أون لاين

 

أي إرهاصات يعيشها هذا الكائن البشري الذي تحول إلى مواطن كوني بعد أن وحّده بقوة عامل مواجهة فيروس كورونا عبر الإجراءات الحكومية المتماثلة التي أجبرت على اتخاذها أمام الخطر الداهم؟!.

 

وأي حال سينقلها المؤرخون وهم يتحدثون عن عصر جديد بتجاوز التقسيم التاريخي القديم للعصور عندما قسمها إلى قديمة ووسيطة وحديثة، ووضع بينها أحداثاً مفصلية جعلت ما بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية عصراً وسيطاً ينتهي بسقوط القسطنطينية ليبدأ العصر الحديث بتطوراته وصراعاته واستحداثاته لشكل الدولة السياسي وصولاً إلى المرحلة الحالية التي فاجأت البشرية بفيروس كورونا كمحدد وعامل تغيير خارج دائرة الفعل البشري أو السياسي أو الاقتصادي، ليحدث انقلاباً غير مسبوق في التاريخ الإنساني ينعكس على العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ويغيرها ويقلبها بشكل كامل، بحيث نصل إلى عصر ما بعد كورونا.

 

قد يبدو الكلام غريباً وصعب القبول، لكن مقدماته الراهنة تدعم هذه الرؤية بالكثير من الوقائع والبراهين، بينما ما زال المستقبل مفتوحاً على المزيد من تلك البراهين الداعمة لمنطق التغيير الحاد والمرحلة الفاصلة في التطور العلمي والتكنولوجي للبشرية كأساس للتغير الذي دخل مرحلة التحقق، وليس مضمار التوقعات والتخمينات.

 

وهنا تجدر بنا الإشارة إلى أن السرعة في هذه المتغيرات ستفوق بمراحل متعددة تلك المراحل الانتقالية التي رافقت انتقال الشعوب في تاريخ تطورها من مرحلة لأخرى، إذ إن الدخول في مرحلة المواطن الكوني ستترك أثرها السريع في الإجراءات والقرارات التي ستتخذها أي حكومة أو سلطة إدارية في العالم، وسيكون لها منعكس سريع في بقية البلاد بعيداً عن أي تحالفات أو مواقف سياسية أو معاهدات تربط دولاً أو مجموعات بأحلاف أو محاور أو معاهدات مهما كانت، الأمر الذي سيقارب المتباعد في الأفكار والمفاهيم إلى حدود متقاربة فكرياً تهدم الحدود الجغرافية والسياسية بشكل من الأشكال.

 

لقد حملت الشهور والأيام الماضية القليلة السابقة الكثير من المواقف غير المتوقعة، شكل بعضها انقلاباً مفاهيمياً على المستوى السياسي والاجتماعي والقيمي والأخلاقي والسلوكي في آن واحد، كان محدده الأساس تلك المواقف المتعاقبة والمتتالية للولايات المتحدة الأميركية ورئيسها دونالد ترامب كحالة لا تلتزم معاهدات التعاون والتحالف وتتخلى عن كل المبادئ التي أسست للفكر الليبرالي ومبادئ حقوق الإنسان، تلك المبادئ التي ما انفك الغرب والولايات المتحدة الأميركية يتشدقون فيها كذرائع للعدوان على المجتمعات التي تمتلك ثروات تطمع بها تلك الدول الليبرالية، فنرى حالة التخلي بداية عن الحلفاء لتتبعها مرحلة الاستعداد عن حرمان البشرية كلها من احتياجاتها الطبية للوقاية من فيروس كورونا وصولاً للقبول بموت مئات الآلاف من الأميركيين أنفسهم، ما دام ذلك الأمر يخدم ساكن البيت الأبيض ومن يخطط معه للسيطرة على مقدرات العالم كله وليس مجرد مقدرات القارة الأميركية الشمالية وحدها.

 

ومع انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الغرب، وتراجعه في الصين وبلدان الشرق ترتفع حدة الاختلاف داخل المنظومة الغربية لتستعيد المفاهيم القومية والإنسانية والمصلحية وذلك دون أدنى شك يكون بمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وقد يقطع كل صلة فيها كنموذج سياسي مسيطر على سياسات تلك الدول لفترة طويلة وكان يمثل محرك الجر لقاطرة الفعل السياسي الأوروبي الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو اليوم سيجبر على ترك تلك القيادة مرغماً، وما ذلك ببعيد.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=70669