وجهات نظر

عبث السياسة.. «إن لم يلبِّ الاستقرار مصالحك.. فهزّ العالم»!

د.مهدي دخل الله


الاعلام تايم _ تشرين


لا شك في أن الاستقرار يناسب الحكمة والتوتر يناسب الحماقة. الأول يتناسب مع طبيعة الأشياء, والثاني يعكس عبثاً مؤلماً..


ولا يقصد بالاستقرار هنا السكون, لأن السكون عبث ما دام غير متفق مع الطبيعة الدينامية للكون بكامل مكوناته. الاستقرار الحكيم هو ذاك الذي يسمح للتطور أن يقوم وفق قوانين الطبيعة في المجتمع الإنساني أي وفق الدينامية الجدلية اللاانقلابية. أما «هز العالم» بشكل اصطناعي وبما يخالف طبيعة الأشياء وطبائع البشر فهو التوتر السلبي والهدام..


«إن لم يلب الاستقرار مصالحك.. فهز العالم». هذا هو جوهر منطق قوى الهيمنة التي ما فتئت تخترع الذرائع كي تهز شجرة العالم لعل ثمرها يتساقط فتستحوذ عليه اغتصاباً..


الدلائل على هذا المنطق العبثي الجديد عديدة..


عندما انهار الاتحاد السوفييتي ومعه حلف وارسو لم تعد هناك عملياً أي حاجة لحلف الـ«ناتو» خاصة أن أوروبا الشرقية انضمت بسرعة إلى «الحظيرة» الأمريكية بعد سقوط الشيوعية فيها. لم تعد هناك أي حاجة لحلف عسكري ليس له عدو من حيث الواقع..


وكذلك ليست هناك أي حاجة لـ «الحلف الإيديولوجي» ما دامت القوى العظمى كلها اليوم انتقلت الى تطبيق آليات النظام الرأسمالي في الاقتصاد والمجتمع بما في ذلك الصين التي تتعامل وفق مفاهيم السوق، حتى إن الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره الأخير خريف 2018 طالب بانضمام الرأسماليين الصينيين إلى صفوفه..


من المفهوم أنه أيام الحرب الباردة كان التوتر بذرائعه ومسبباته حاجة سياسية «معقولة» مادام هناك معسكران متواجهان وإيديولوجيتان متناقضتان. لكن اليوم ما الحاجة الى كل هذا التوتر في العلاقات الدولية؟.


التفسير الوحيد هو أن الاستقرار لا يناسب قوى الهيمنة, لأن الهيمنة تتناقض مع قوانين الكون ومع القانون الدولي الذي يتطلب الاستقرار، لذلك ترى هذه القوى أنه لا بد من إيجاد «عدو» والنفخ فيه حتى لو كان هذا العدو دولة صغيرة نسبياً كإيران ليس لديها حلف عسكري أو إيديولوجي ..


صدقوا هذه المعلومة: نهاية الستينيات وبداية السبعينيات جمع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هنري كيسنجر في باريس جميع سفراء أمريكا في دول أوروبا الشرقية الأعضاء في حلف وارسو, وطلب منهم بوضوح ألا يساعدوا أي أعمال شغب ضد الحكم الشيوعي في هذه الدول. وأمام استغرابهم قال كيف لنا أن نهيمن على أوروبا الغربية والشرق الأوسط إن لم يكن أمامنا عدو أي «فزاعة» نخيف حلفاءنا منه فيضطرون لطلب حمايتنا؟..


اليوم مازالت أمريكا تصر على «العدو» المتربص، وهي تخيف معظم حكام الخليج من إيران لا لشيء وإنما فقط لكي يتقبلوا هيمنتها ومتطلباتها في سرقة ثرواتهم..


«العدو» بالنسبة لأمريكا هو ضرورة, إن لم يكن موجوداً فعليها أن تخترعه حتى لو كان وهماً… المهم بالنسبة إليها أن هناك من يصدق مثل معظم أنظمة الخليج وغيرها, بينما بدأ الرأي العام في أوروبا الغربية يطرح بقوة سؤالاً مشروعاً: لماذا الـ«ناتو»؟ وضد من هذا الحلف الضخم؟.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=69884