وجهات نظر

أوراق أردوغان واحتراقها القريب

تحسين الحلبي


الاعلام تايم - الوطن

 


كانت سياسة الولايات المتحدة الأميركية خلال عقود ماضية كثيرة تقدم الدعم لكل حاكم موال لها ضد حاكم مناهض لها أو ضد مشروع قائد معاد لها، هكذا كان المشهد حين دعمت الإخوان المسلمين ضد الرئيس المصري السابق عبد الناصر ودعمت النظام الملكي العراقي الهاشمي ضد القوميين ودعمت كل دول الخليج ضد كل من ينتقد أمراءها وملوكها. أما في وقتنا الراهن فإن الصورة مختلفة حين نجد أنها تدعم أمير قطر وكذلك ملك السعودية ونراهما قد قطع كل منهما علاقة دولته بالدولة الأخرى، وتدعم الرئيس التركي رجب أردوغان وهو يناهض سياسة السعودية والإمارات وجميع هذه الدول تتمتع بأفضل العلاقات والتحالفات مع الولايات المتحدة!


ربما نجد المشهد في ليبيا مثيراً جداً حين نرى أن رئيس الحكومة المعترف بها في الأمم المتحدة فائز السراج والذي كان مدعوماً من الولايات المتحدة يواجهه الآن الجنرال خليفة حفتر وهو الذي جاء إلى ليبيا من الولايات المتحدة بعد لجوئه إليها وحصوله على جنسيتها ويحمل صفة رجل أميركا في كل مكان، فثمة حرب حقيقية تحتدم بين الإثنين وأتباعهما وكأن كل واحد منهما يقول لواشنطن إنه سيكون أفضل لمصالحها من الآخر فيتنافس كل واحد منهما على حساب دماء الليبيين لمصلحة من يحظى بدعم واشنطن أكثر من الآخر!


تشتد الحرب حين نجد أن تركيا وقطر تقدمان الدعم بالمال والرجال للسراج ضد حفتر، بينما تقدم دول عربية أخرى الدعم لحفتر وجميع هذه الأطراف على علاقة متينة بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو يشاهد اللعبة عن بعد! فهل يفعل ذلك لأن الجميع سيشتري سلاح الحرب للطرفين السراج وحفتر من أميركا وإذا توقفت الحرب فسيتوقف بيع السلاح؟ أم إنه يسعى لتوريط أطراف أو دول أخرى في لعبة الحرب والموت للتخلص من نفوذها أو ابتزازها، وهو الذي يدعم قادة أكراداً في سورية بينما أردوغان يشن حرباً عليهم ويبقى ترامب حليفاً للطرفين!


تغيب هذه التساؤلات عن وقود هذه الحروب المصطنعة، وهي الشعوب المتورطة فيها من الليبيين إلى الأتراك إلى جمهور أكراد سورية الذين يدفعون ثمنها بأمر حكامهم لمصلحة الحاكم الأميركي الإمبريالي الذي يسرق ثرواتهم ويفرض ثمناً مالياً باهظاً لحماية حكامهم، وهذا ما جعل، داغ باندو، من معهد «كاتو» للأبحاث الإستراتيجية يكشف في المجلة الإلكترونية للمعهد في 10 كانون الثاني الجاري أن الإدارة الأميركية دمرت ليبيا لجيل كامل، إذ إن واشنطن هي التي أرسلت حفتر من أميركا في شباط 2014 وها هي النتائج واضحة، ثم دفعت أردوغان الذي ما زال يلعب بطريقة ترامب الذي لم يتخل عنه وانعكست هذه اللعبة الخطرة على الجامعة العربية، فثمة دول تدعم السراج، ودول أكثر عدداً تدعم حفتر، كما انعكست على الاتحاد الإفريقي وبدا أنه ليس من السهل إيجاد حل سريع لها.


أردوغان في مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الخميس الماضي قال إنه يدعم حكومة السراج الشرعية العضو في الأمم المتحدة ضد الخارجين على القانون، وهو الذي يعرف مثل كل العالم، أنه قدم الدعم للمجموعات الإرهابية ضد الحكومة الشرعية السورية، بل أيضاً غزا بوحداته العسكرية أراضي سورية، وهو الذي بدأ بإرسال اللاجئين الذين فرض عليهم هذا اللجوء في أراضيه للقتال لمصلحة السراج في ليبيا، واستخدم طائرات الشركة التركية لنقلهم للحرب أمام أعين كل دول العالم.


يوم الجمعة الماضي نشرت مجلة «غلوبال ريسيرش» الإلكترونية تحليلاً بقلم، بول انتونوبولوس، أن أردوغان «رأى بعد هزيمته في سورية وعجزه عن إسقاط الرئيس (بشار) الأسد أن من الأفضل له الآن التركيز على شرق المتوسط للتدخل العسكري في ليبيا ونشرت المؤسسة العسكرية الليبية خرائط تقسم البحر فيها لمصلحة اتفاقية تركيا والسراج، بل أيضاً وسعت النطاق وطالبت بسحب القوات اليونانية من 16 جزيرة تقع شرق بحر إيجه لأنها تخص تركيا.


تزداد خطورة سياسة أردوغان حين يراه الجميع بمن فيهم المستشارة الألمانية، يهدد أوروبا بإرسال اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدانهم، إضافة إلى الابتزاز المالي الذي يفرضه على أوروبا مقابل منع اللاجئين من الانتقال إلى أوروبا، ويبدو أن عام 2020 سيشهد في أول أسابيعه أو شهوره، احتراق عدد من أوراق أردوغان العدوانية على سورية، وفي حوض البحر الأبيض المتوسط فقد ازداد عدد الذين أصبحوا أعداء له في المنطقة وفي المتوسط.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=68386