وجهات نظر

شراع : ليبيا على طريق الأفغنة


الاعلام تايم - الوطن العُمانية

 

تمضي الحملات التضليلية التي رافقت ما يسمى زورًا بـ”الربيع العربي” لتواصل أهدافها وتمهيد الأرضية اللازمة، ولتواصل فرض التشويه المطلوب للصورة الحقيقية ليتلقفها الرائي والمتابع ضبابية فلا يستطيع تمييزها وفرز غبشها وضبابيتها، ويظل في حالة استسلام متلقيًا ما يأتيه من معلومات وحقائق مشوهة ومعلبة عبر الإعلام المشبوه.

 

لا تزال هذه الحملات التضليلية جزءًا أساسيًّا من “الفوضى الخلاقة” التي تقودها الولايات المتحدة لخرق الدساتير والقوانين ودفع المجتمعات إلى كسر ضوابط الأمن والسلام والاستقرار، ودفع أفرادها إلى أتون الاحتراب والاقتتال تحت طائلة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، حيث مخاض الدم يجب أن يلد النفط والغاز، وينسب هذا المولود إلى القوى الاستعمارية قديمها وجديدها، وتلك المسكونة بأحلام قوة الرجل المريض وتوسعه.


ليبيا ليست وحدها من بين الدول العربية المستهدفة وتشهد مخاض الدم، إلا أنها اليوم أخذت تتصدر المشهد الملغَّم بالنار والفتن والاحتراب والإرهاب، حيث يصل التكالب على أشده بين قوى الاستعمار لاختطاف المولود (النفط) الذي تعوم فيه ليبيا وصحراؤها. واللافت والمثير للأسى والحزن والحسرة في الوقت ذاته، هو أن ما يجري فيها من نهب وسلب وتقطيع للرؤوس وتدمير للبنى الأساسية وتقطيع شرايينها، وضرب النسيج الاجتماعي، يقوم به ليبيون لصالح أعدائهم وأعداء وطنهم، وما يضاعف الأسى والحزن والألم أنهم لم يكتفوا بتقديم أرواحهم ودمائهم وأنفسهم قرابين لأعدائهم، بل راحوا يجلبون من خارج بلادهم الإرهابيين والمرتزقة بأسماء وعناوين واهية، ما جعل غراس الإرهاب التي أراد الأعداء غرسها على أرض ليبيا أعمدة شاهقة، وما يزيد الأسف والألم والحسرة أكثر هو أن مخاض الدم والاقتتال والاحتراب والإرهاب وإنتاج تنظيماته وتشغيلها يموَّل من النفط العربي المنهوب بما فيها النفط الليبي.


إن المتابع للمشهد في ليبيا وتصدره ودخول أطراف استعمارية منافسة على خط التصعيد الحاصل لحالة الاقتتال بين الأفرقاء من أجل كرسي السلطة، يجد أن ليبيا تسير بقوة نحو الأفغنة؛ أي على غرار ما حصل في أفغانستان التي شهدت ظهور جنرالات الحرب، والذين أصبح ولاؤهم للخارج وليس لأفغانستان، وغدا كل جنرال حرب يتلقى الدعم من سيده بالخارج، والتي (أي أفغانستان) أضحت ضحية تآمر أميركي مدعوم إقليميًّا وعربيًّا، ومن يتتبع طبيعة المشهد يقف على حقيقة أن ليبيا تسير بقوة نحو السيناريو الأفغاني المرسوم لها، فمثلما شكلت أفغانستان خطرًا على جوارها وفق المخطط التآمري، يراد أن تكون ليبيا خطرًا لجوارها، وتحديدًا مصر والجزائر؛ لكونهما أكبر وأقوى دولتين عربيتين لا يزال كيان الاحتلال الصهيوني وحلفاؤه الاستراتيجيون يرون فيهما الخطر الأكبر، رغم ما يحكم العلاقة بين مصر وكيان الاحتلال الصهيوني من اتفاقيات (اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة).


وفي الوقت الذي يتواصل فيه الاقتتال والاحتراب بين الأفرقاء يستمر اللصوص في نهب نفط الشعب الليبي واغتصاب حقه في ثروته، فيوظف في تمويل الإرهاب والاقتتال القائم داخل ليبيا وخارجها، وتدار به تروس اقتصادات قوى الاستعمار، ويطاح بأسعار النفط عالميًّا، في حرب أسعار موجهة ضد المنطقة وخصوم الولايات المتحدة.


مذكرتا التفاهم الأخيرتان اللتان وقعتهما حكومة فائز السراج المعترف بها دوليًّا مع تركيا تثيران الكثير من علامات الاستفهام، وما إذا كانت حكومة الوفاق هي فعلًا بحاجة إلى توقيع مثل هذه الاتفاقيات؟ حيث تتعلق المذكرة الأولى بتعيين الحدود البحرية، والتي ترى فيها دول الجوار انتهاكًا لسيادتها وحقوقها، والثانية تتعلق بالجوانب العسكرية والأمنية، والتي تمهد بكل وضوح لوجود تركي عسكري على أراضي ليبيا.
على أن الأخطر هو أن هذا النوع من التعاون العسكري ليس محكومًا بالنيات الحسنة دائمًا، بالنظر إلى وضع دولة مثل ليبيا تسبح في بحر من النفط، فضلًا عن موقعها الجغرافي. وكما رشح في وسائل الإعلام فإن هذا التعاون العسكري لن يكون عبر وحدات عسكرية تركية، وإنما عبر عناصر إرهابية تابعة لتنظيمي “داعش والنصرة” محسوبة على المخابرات التركية، قامت أنقرة بتدريبها وتسليحها وتمويلها ضد سوريا لإسقاط حكومتها، وكما جاء في تفاصيل الأنباء المتداولة فإن هوية هؤلاء الإرهابيين هي تركستانية، وهذا له دلالاته منها:


أولًا: إن هناك اتجاهًا تركيًّا لغرس بذور هذه الهوية (التركستانية) على الأرض الليبية بما يسمح لأنقرة التدخل والتأثير في حاضر ليبيا ومستقبلها، كما هو الحال مع العراق، حيث المكون التركماني في كركوك وغيرها، والذين أخذت توظفهم في صالح مشروعاتها وأهدافها، لدرجة التلويح بالتدخل العسكري بحجة الدفاع عن المكون التركماني، وكما هو الحال أيضًا للمكون التركستاني في سوريا الذين جعلت منهم متمردين وإرهابيين تحرضهم ضد سورية.


ثانيًا: اعتقاد أنقرة أنه بتحرك الجيش العربي السوري وحلفائه نحو محافظة إدلب وتطهيرها لن يكون للتنظيمات الإرهابية مستقبل في سوريا بما فيها تلك المحسوبة على تركيا والمدعومة من قبلها، ما قد يجعلها عبئًا عليها مستقبلًا، وبالتالي ترحيلها إلى ليبيا لتحقيق مجموعة من الأهداف منها ما ذكرناه آنفًا، والتخلص منها في حالة فشلها في مهمتها.


ثالثًا: آفة الإرهاب وإنتاج تنظيماتها وتوجيهها من وإلى، أصبحت واضحة ومكشوفة المصدر والموجه والممول.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=67298