وجهات نظر

أفضلُ الدعاياتِ ليست دعايةً

محمد البيرق


الاعلام تايم - صحيفة تشرين

 

يعدّ مفهوم القوة الناعمة (الجين المحسِّن) لمفهوم الحرب والسيطرة، الذي بات المشغِّل الأساس في المحرِّك العام لسياسة قوى عظمى، وقوى صاعدة أيضاً.


صاغ المفهوم جوزيف ناي عام 1990 في كتابه «الطبيعة المتغيّرة للقوة الأمريكية» معرّفاً إياه بأنه «القدرة على الجذب والضمّ من دون إكراه»، لكن المفهوم استطال وتمدّد كثيراً، ليشتمل على العديد من الجزئيات، فجمع ما بين التعقيد والبساطة والعناوين الكبرى والصغيرة، وليكون الرأي العام تالياً (الميدان) والمحور الذي يتمّ التوجيه إليه بسجالٍ عقلي، هدفه التأثير فيه مباشرةً، وبقوة ضغطٍ ناعمة تكون بمنزلة سلاح يخدم، داخلياً، أهدافاً معنونة خارجياً، تروّج لها جماعات الضغط والهيمنة والسيطرة عن طريق مؤسساتها، ومنظماتها، وأدواتها، يساعدهم في ذلك التكثيف المعرفي والتقدّم العلمي الهائل، لتظهر أنماط جديدة من القوة تتناسب وتتناغم مع طبيعة المرحلة، وليصبح الإعلام -بعد السياسة والمال- هو السلطة، وليصبح أيضاً، وبسلوكيات القوة الناعمة، وهو الخفي في مضمونه، (قوياً في نتائجه)، يحقق أهدافاً تنشدها العقول والأيادي المسيطرة على الإعلام والعالم المعلوماتي والرقمي.


يقول جوزيف ناي: «أفضلُ الدعايات ليست دعايةً»، أي إنه في عصر العولمة والمجتمع الرقمي تعدّ المصداقية «من أندر الموارد».. وقد استغلّت الدول الغربية ومؤسساتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية وسائل الإعلام أبشع استغلال، وأقامت لها الإمبراطوريات الضخمة، وقدّمت لها جميع أشكال الدعم المالي للمساهمة في معارك إعلامية تقودها وسائل إعلامية وصحفيون.. يقول ألكسندر غراهام بل: «أمريكا بلد المخترعين، وأكبر مخترعيها هم رجالُ الصحافة»، أي صار واضحاً وبيّناً استبداد «لوبيات» الإعلام الغربي بالرأي العام لديه، وتالياً نسف كلّ القواعد التي تقول باستقلالية الإعلام وموضوعيته وحريته وحياديته، وقد استطاعوا عبر ذلك تحقيق ربح إعلامي كبير، وإنجاز الكثير من المهمات، لكن الحال في سورية كان له وقعٌ مختلفٌ، على الرغم من تجنيد وسائل إعلام عالمية كبيرة، وكذلك وسائل إعلام عربية متواطئة، مع قرار حجب القنوات الوطنية عن الأقمار الصناعية.


لقد كان حال الإعلام العالمي، ومعه بعض القنوات العربية، في بداية الحرب الإرهابية على سورية، كما الفيروس المبطّن غير ظاهر للعيان، تديره وتحرّكه «شبكات عنكبوتية» وقنوات إعلامية مموّلة وممنهجة ومسيّسة تنشر الأكاذيب، وتخفي الحقائق على نحو يخدم دول العدوان، ويروّج لمخططها التدميري والتخريبي، لكنّه اليوم بات مفضوحاً أمام الرأي العام العالمي، والحقائق بدأت تتكشّف للمواطن الغربي، وتعرّت حقيقة مؤسساتهم التي لا قيمة فيها ولا وزن للحريّات والديمقراطية وموضوعية الرأي العام التي يدّعون الحرص عليها والالتزام بها.. ومن الطبيعي، أن تصيبهم «هستيريا الحقيقة»، ويجفلوا من مقابلات يُوصِّف فيها السيد الرئيس بشار الأسد الحرب على سورية، ويعرّي الولايات المتحدة الأمريكية «محراك الشرّ» وبعض الدول الأوروبية المنافقة والتابعة وكذلك تركيا، هذه الدول الداعمة للإرهاب في سورية عبر دعم التنظيمات الإرهابية التي اعتمدت عليها في حربها وكذلك تسليحها والتغطية عليها، وخلق الفوضى ونشر الخراب والدمار والبشاعات التي كانت السبب الرئيس وراء هجرة الكثيرين من السوريين، والتأكيد على أن الغرب هو المسؤول عن فبركة مسرحيات الكيميائي لاتهام الدولة السورية، وأنّ حربنا في سورية لم تكن حرباً طائفية، ولا عرقية، بل إن حربنا كانت حرباً مع الإرهاب.


لذلك، كانت هزيمة دول العدوان عنواناً صنعته سورية إن على الصعيد العسكري أو السياسي، وتالياً، فشلت هذه الدول المعتدية فشلاً ذريعاً في تحقيق «الاستعمار الناعم» من خلال استبداد «لوبيات» الإعلام الغربي.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=66751