وجهات نظر

عسكرةُ الاقتصاد

محمد البيرق


الاعلام تايم - تشرين

 

الحربُ الاقتصادية في قاموس «أكسفورد» هي استراتيجية اقتصادية تقوم على استخدام إجراءات تكون الغاية الأساسية منها إضعافَ اقتصاد دولة أخرى.


لكنها, وحسب الممارسات الأمريكية العدوانية في سورية, كانت إجراءات اقتصادية قسريةً أحادية الجانب, وبعيدةً كل البعد عن سياق الشرعية الدولية, وتعارض ميثاق الأمم المتحدة، وتعدّ اختراقاً فاضحاً لقواعد القانون الدولي, تشاركها في عدوانها الاقتصادي دول أوروبية مرتهنة لمشيئتها، فرضت من جانبها -كنتيجة طبيعية- عقوبات تعدّ أكبر حزمة عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي.


الحرب الممنهجة على سورية لإضعافها وتجزئتها، وشلّ قدراتها، وما تمّ التخطيط له, عسكرياً, وإعلامياً, واقتصادياً, كانا كفيلين بتدمير أي دولة في العالم, مهما بلغت قوتها, هذه الحرب الشاملة والاستثنائية.


وعلى الرغم من حجم الحرب البشعة والمدمرة تمكنت سورية التي تجسد المقاومة في كل ما تقوم به في مواجهة الإرهاب من التصدّي لها, والخروج بانتصار سياسي باهر, وانتصار عسكري قلّ نظيره إذا ما قيس بالمخطط الإرهابي الشيطاني المرسوم لسورية، وكذلك قياساً بالدول المشاركة في تنفيذه.. وما بين الانتصار السوري والهزيمة الأمريكية, كان لابد لواشنطنٍ من استثمار الوقت الضائع عبر حياكة المزيد من الخطط والمؤامرات وتجنيد كل الوسائل الممكنة، عسكرية كانت أم سياسيةً أم اقتصاديةً، واستغلال أيّ ثغرة يمكن من خلالها التعويض, ولو جزئياً, عن الهزائم التي منيت بها في الميدانين العسكري والسياسي في سورية، آملة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.


بعد كل حرب, لابد من أن تبرز على السطح مؤثرات كثيرة، كنتيجة طبيعية ومنطقية للحرب وتداعياتها، وستكون على نحوٍ مضاعف مادامت هذه الحرب مغلفةً بحصار اقتصادي غاشم، وفقدان قطاعين مهمّين من أهم القطاعات الاقتصادية في الدولة، وهما قطاعا النفط والسياحة، إضافةً إلى الإجراءات القسرية الظالمة التي طالت أول ما طالت الشعب السوري، لما خلّفته من مؤشرات كارثية على اقتصاد الدولة السورية الذي تعرض لحصار خانق، يتمثل في قطع الموارد الخارجية والمالية عنه، إضافةً إلى تدمير جزء كبير من بنيته الإنتاجية، لكن الدولة السورية لم تألُ جهداً وتمكنت -قدر المستطاع- من تأمين حاجاته وتوفير مستلزمات مالية لاستيراد مشتقات النفط على الرغم من صعوبة استيرادها، ولم تتوقف عن الالتزامات المالية تجاه مواطنيها ودفع الرواتب والأجور، كما تعمل أيضاً على إعادة الإعمار، حسب الإمكانات المتاحة، وهذه خطوة لم تقم بها أي دولة أخرى في العالم، أي إعادة الإعمار أثناء الحرب.


إن الإرهاب الاقتصادي الذي تمارسه أمريكا «العميقة» وحلفاؤها على سورية لابدّ سيؤثر في الاقتصاد السوري وتالياً انخفاض مؤشره، ما يخلق صعوبات معيشية أمام السوريين لخلخلة ثقتهم بدولتهم، وإظهارها بمظهر «العاجز» عن تأمين متطلباتهم, لكنّ الشعب السوري الذي صمد ثماني سنوات ونيفاً, وحقق انتصارات كبيرة في مواجهة الحرب الإرهابية الكبرى وأقسى أنواع العدوان، لابدّ من أنه قادر على مواجهة أي إجراءات اقتصادية قسرية جديدة تفرض على بلاده، ويعي أن ما يعانيه من ضائقة اقتصادية سببه الإرهاب وداعموه، ومَنْ فضح وعرّى إعلامهم المسيّس لمصلحة الحرب القذرة لابد سيعرّي ويفضح أي سلوكيات يمكن أن تقوم بها واشنطن وربيباتها اليوم، وستبوء مساعيهم بالفشل في إحداث أيّ خروقات جديدة، وستضاف هزيمةٌ جديدة لهزائمهم الكثيرة على الأرض السورية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=66521