وجهات نظر

إنها إشكالية قديمة جديدة…

مهدي دخل الله


الاعلام تايم - تشرين

 

بدأت منذ إشكالات سقراط مع السلطة، ما أدى إلى إعدامه.. ولم تنتهِ حتى يومنا هذا، بل إن الإشكالية تتصاعد مع تقدم وسائل الاتصال والتداخل بين مكونات الحياة…


لا تريد الثقافة أن تعترف بأن أساس المشكلة هو في أن النشاط السياسي يبنى على أسس تختلف اختلافاً تاماً عن أسس النشاط الثقافي…


تستند السياسة إلى الواقع الموجود بينما تهتم الثقافة بالواقع المطلوب، وهو واقع افتراضي «غير موجود»، تريد الثقافة أن تأمر السياسة وتوجهها كي تنتقل بالواقع الموجود إلى الواقع المرغوب، لكن المشكلة هنا أن السياسة تذوب في تيه ما هو موجود وتعمل على تنظيم تشابكاته وعلاقاته وليس لديها وقت لما هو افتراضي.


سوف أورد بعض الأمثلة الرمزية: إبان الحرب العالمية الثانية دخلت بريطانيا في تحالف مع الاتحاد السوفييتي، وهو تحالف الضرورة في مواجهة دول المحور «ألمانيا وإيطاليا واليابان»، الوعي البريطاني –أي البعد الثقافي للحياة– كان ضد الشيوعية في الجوهر، لكن الضرورة تطلبت التحالف مع الشيوعيين، انتقل الوعي إلى واقع افتراضي بسبب حاجات السياسة، علماء الاجتماع سيقولون إنها حالة استلاب (alienation)، فليكن.. لكنها حالة واقعية.


منعت الحكومة البريطانية عندها نشر رواية جورج أورويل الشهيرة «مزرعة الحيوان» التي انتقد فيها الستالينية بشدة، وبصورة رمزية، وما هو مدهش أن الذي رفض نشر الرواية ليس الحكومة مباشرة وإنما مدير دار النشر التي اسمها «فيبر وفيبر». صدّقوا أن المدير الرافض هو واحد من أهم أعمدة الثقافة «وليس السياسة» البريطانية، إنه الشاعر ت.س. إليوت صاحب قصيدتي «أربعاء الرماد» و«الأرض اليباب»…


إضافةً إلى «مزرعة الحيوان» تم منع نشر منتجات أدبية كثيرة لأسباب سياسية مثل: رفض نشر رواية الأديب الشهير جيمس جويس «صورة الفنان في شبابه».


عندنا في الوطن العربي حدّث ولا حرج عن خضوع الثقافة للسياسة من أكثر ما يثير دهشتي أنه عندما انعقد مؤتمر مدريد بين العرب و«إسرائيل» أسرع بعض المثقفين العرب، ومنهم سوريون للأسف، إلى الدعوة «للتطبيع الثقافي» مع «إسرائيل» استباقاً للسياسة ودعماً لها.


ادعى أحدهم، وغيره، أن هناك «ثقافة صهيونية» ناسياً أن الصهيونية دعوة عنصرية وأن العنصرية لا يمكن أن تكون ثقافة وإنما هي ما يسمى في علم سوسيولوجيا الثقافة «مضاد للثقافة» (anticulture).. أليس هذا مثالاً فاضحاً عن خضوع الثقافة للسياسة؟!.


من الواضح أنه لابد في النهاية من أن تخضع الثقافة للسياسة ذلك لأن الثقافة تحاول دائماً مقاربة السياسة.. بينما لا تفعل السياسة ذلك. وهذه هي المشكلة!.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=66381