وجهات نظر

حفاة في المخيم الأميركي

نبيه البرجي


الاعلام تايم - الوطن


الايديولوجيا المجنونة مقابل التكنولوجيا المجنونة.. حين يقارن المفكر الأميركي بول كروغمان الحائز جازة نوبل في الاقتصاد، بين شبه الجزيرة العربية، وحيث المملكة العربية السعودية أنفقت مئات مليارات الدولارات لتسويق تلك الإيديولوجيا التي لا تليق حتى بالعصر الحجري، وشبه الجزيرة الكورية التي وصفها تقرير للبنك الدولي عام 1964 بالمنطقة الميئوس منها لعدم توافر الموارد البشرية، والموارد الطبيعية فيها، فإذا بها النموذج في التطور الصناعي والتكنولوجي.


إذ يلاحظ كروغمان كيف أن الولايات المتحدة كرست التوتاليتاريات التي مات فيها الزمن، يعقّب ساخراً «قد نغادر الشرق الأوسط بعد عقد أو عقدين. لن نترك وراءنا سوى الحطام. في هذه الحال، علينا إقامة مخيم، أو معسكر، لإيواء أصدقائنا الملوك، والرؤساء الذين لا خيار أمامهم إلا أن يلحقوا بنا وهم حفاة».


المفكر الاقتصادي الشهير تحدث عن «لعنة الشرق الأوسط التي تلاحقنا». هذا بعدما استنفدوا الثروات الهائلة، من دون أن يساعدوا، ولو قيد أنملة، في استحداث بنى سياسية، وبنى اقتصادية، وبنى سوسيولوجية، على تفاعل ديناميكي مع إيقاع القرن. في نهاية المطاف، دول محطمة، ومجتمعات محطمة.


أكثر من باحث أميركي وأوروبي، يطرح هذا السؤال: أي شرق أوسط بعد أميركا؟


المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية غراهام فولر، لاحظ كيف أن إسرائيل باتت محاطة بغابة من الصواريخ. ماذا بعد عشر سنوات حين تغدو هذه الصواريخ «أقرب ما تكون إلى نسخ مصغرة عن قنبلة هيروشيما»؟ في نظره أن المعادلات الجيوسياسية، والجيو إستراتيجية، ستتبدل على نحو دراماتيكي. السياسات المتراقصة، أو السياسات المركنتيلية، للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أظهرت أن الولايات المتحدة التي قدمت للبشرية خدمات تكنولوجية تفوق الخيال، إنما تنتهج «إستراتيجية الكلاب». المصطلح الذي يعني النهش العشوائي، من دون أي رؤية أو أي قيم.


لا شيء في هذه المنطقة سوى النفط والغاز، والمال التائه. الثروات التي ذهبت هباء، ولاسيما على الأسلحة التي إما اعتراها الصدأ في المستودعات، وإما استخدمت في حروب عبثية، كان يفترض أن تحوّل المنطقة إلى فردوس تكنولوجي لا إلى جحيم إيديولوجي.


باحثون يلاحظون كيف أن المحور الآخر الذي رفض التبعية، أو رفض التماهي، أو رفض الذوبان في السياسات التي بدأت مع الرئيس الأميركي السابق فرنكلين روزفلت، لا مع الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور، والمبدأ الشهير الذي استنبطه وزير الخارجية الأميركي السابق جون فوستر دالاس وتولى تسويقه، حققت تقدماً مثيراً في المجالات الصناعية.


ثمة رجل أعمال إنكليزي التقيناه في حلب أبدى ذهوله لدى معاينته سلسلة المصانع في المدينة، على الرغم من الحصار القاتل. قال إن سورية مرشحة لتكون «النمرة رقم واحد» في غرب آسيا، وإياه، لاحظ في رسالة إلى «الفايننشال تايمز»، كيف أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يلاحقه هاجس الباب العالي، أمر ذئابه بالانقضاض على المصانع لتفكيكها، ونقلها إلى الداخل التركي.


تلك اللمسات البانورامية لنقول لما تبقى من تلك المعارضة، بالأشكال الفولكلورية إياها، ولطالما تكدست على أرصفة إسطنبول، كما على أرصفة الرياض، هنا سورية، وهنا الدولة، بالشعب الرائع، وبالقيادة الرائعة، وبالنواة الصلبة، وقد تمكنت من مواجهة الأعاصير.


أمامنا العديد من الدول التي أشار إليها كروغمان بحكامها الذين سيذهبون حفاة، ربما سيراً على الأقدام، إلى المخيم الأميركي. لنقول، أيضاً: إن سورية هي القلب.. الأميركيون، وأتباعهم، راحلون، وإن أصرّ البعض على أن تعلّمنا أنظمة القرون الوسطى كيف يصاغ دستور سورية، سورية التي أعطت روما سبعة أباطرة. يا للكوميديا الصفراء!
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=65695