الاعلام تايم - الوطن
ويتزامن هذا الاستقلال تقريباً مع معظم تواريخ استقلال الدول العربية من الاستعمارين الفرنسي والبريطاني ولكنّ المحطة التي توصلت إليها الصين بعد سبعين عاماً من العمل المنظّم والهادف تختلف اختلافاً جذرياً عن المحطات التي توصلت إليها معظم الدول العربية، وذلك نتيجة اختلاف الرؤى والاستراتيجيات وطرائق العمل والأهداف المنشودة. فمن الناحية الاقتصادية ذكر السفير الصيني في دمشق في حفل عيد استقلال بلاده أن الاقتصاد الصيني قد تضاعف أكثر من ألف مرة بين عامي 1949و 2019 وأن المستوى المعيشي الذي حققه الصينيون خلال هذه الفترة احتلّ رقماً قياسياً بسرعة تطوّر البلدان والشعوب، وانعكاس هذا التطوّر على كلّ أفراد الشعب. ولكن القيادات الصينية لا تذكر هذا بنوع من الركون إلى ما تمّ إنجازه والاكتفاء به، بل بهدف تحفيز استكمال العمل لسدّ كلّ الفروقات بين الريف والمدينة وإنعاش أنواع الاقتصاد التي مازال انتعاشها بطيئاً إلى حدّ الآن، واستكمال تنفيذ الخطط والرؤى الموضوعة بعناية ودراسة فائقتين لتحقيق هذه الأهداف.
وجميعنا يتذكر حين حاول الغرب استهداف الحزب في الصين وأن حكم الحزب الواحد لم يعد ممكناً أو مجدياً بل يجب إحلال التعددية الحزبية من أجل الديمقراطية، كيف صمّت الصين أذنيها عن كلّ هذه المقولات الغربية الليبرالية والتي كانت في الأصل تهدف إلى أن تعيد صياغة الصين إلى النموذج الغربي والذي يضمن تبعية الجميع له. وهذا هو مصدر خيبة أمل الغرب اليوم حيث قال أحد الكتاب مؤخراً في استعراضه لما تخطط له الصين على مستوى العالم: «بدلاً من أن تروا الصين في المستقبل تشبه بقية دول العالم سترون دول العالم تشبه الصين». طبعاً هذا الكاتب يفكّر بالطريقة الغربية ويحاول أن يحذّر العالم من الأنموذج الصيني، ولكن بالنسبة لكلّ الشعوب التي عانت من الهيمنة الغربية فإنه يسعدها أن تشبه الصين بأسلوب تحرّرها وتخطيطها الإستراتيجي وقدراتها على اختصار المراحل وتحقيق إنجازات على كلّ الصعد وبسرعة قياسية. والحقيقة أن التجربة الصينية في التحرّر الحقيقي من ربقة ومخلفات الاستعمار جديرة بالدراسة وهي إذا ما دُرست بشكل علمي وتمت الاستفادة منها يمكن أن تختصر الوقت والجهد لبقية الدول الطامحة إلى إنجازات مشابهة.
هذا هو ما أخفق العرب إلى حدّ اليوم من إحداثه وتطويره ألا وهو التركيز على التعليم من سني رياض الأطفال إلى المدرسي والجامعي لتحصين أبنائنا مرة وإلى الأبد ضدّ كلّ محاولات الاختراق المعادية كما لم يتم التركيز على النخب التي تضع الرؤى والإستراتيجيات وتقود أيضاً عملية تنفيذها بكفاءة وإيمان عميقين. ولا شك لدي حتى دون الاطلاع على ورقيات المراسلات الصينية أنهم لا يعرفون في معاملتهم عبارة «للتريث» أو «للإعادة» أو «التحويل إلى لجان أخرى». الأمر الذي يستغرق دهوراً في عالمنا العربي. كما أن كلّ ما يفكّرون به ويخطّطون له يتحول فوراً إلى وثيقة مكتوبة معتمدة لخطة عمل متاحة للجميع لفهمها والمتابعة من خلالها في حين مازالت الأمة العربية أمة المخاطبة بالشفاهة ومازالت الوثيقة المكتوبة مصدر خوف وتردد لدى الكثيرين. سبعون عاماً من العمل الجاد المثمر ولّدت تجربة صينية جديرة أن تكون منارة ومثالاً لكلّ الشعوب والدول التي عانت من الاستعمار والطامحة فعلاً إلى صنع مستقبل كريم ومستقل يليق بثقافة وحضارة وكرامة شعوبها. |
||||||||
|