وجهات نظر

خيارات ومصير عملية السلام

محمد نادر العمري


الاعلام تايم - صحيفة الوطن

 

منذ أيام وأثناء الدورة الحادية والثلاثين لمعرض الكتاب، استضافت مكتبة الأسد الوطنية ندوة فكرية وتوقيع كتاب توثيقي بعنوان «الرجل الذي لم يوقع» بحضور المستشارة السياسية والإعلامية لرئاسة الجمهورية بثينة شعبان ورئيس مجلس إدارة قناة الميادين غسان بن جدو، جال في فكري، وأنا أستمع لأهمية الحقبة التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد وتحدياتها فيما يتعلق بمسار الصراع العربي الإسرائيلي، تساؤل له تأثيره وأهميته الجيوسياسية على مستوى الخريطة الإقليمية وهو: ما مصير محادثات السلام التي توقفت؟ وأي الخيارات والسيناريوهات الأكثر ترجيحاً وأقربها للواقع التطبيقي المفترض في المستقبل؟


كثيرة هي الجدليات والمقاربات بصيغها المعقدة والمتشابكة انبثقت في محاولتي الإجابة عن ذلك، أولاً بسبب التوقيت السياسي لمثل هذا التساؤل نظراً لما شهدته سورية من استهداف وتدمير ممنهجين ودور إسرائيل المباشر في ذلك واستخدام سياسة «العصا الغليظة والجزرة المهينة» من واشنطن طوال عقود مسار المباحثات وفي إدارتها لمحور الاعتداء على سورية لفرض أمر واقع على قيادة دمشق للقبول بسلام غير عادل مع إسرائيل على غرار اتفاقيتي كامب ديفيد ووادي عربة، ثانياً من حيث الظروف الإقليمية والدولية والمتغيرات والتطورات المتسارعة وما يحكم النظام الإقليمي وخصوصاً من توتر متصاعد، ثالثاً شكل ومكان المباحثات القادمة والجهة الجديدة التي من الممكن أن ترعاها وخاصة بعد إعلان واشنطن اصطفافها كطرف داعم للأطماع الإسرائيلية عبر الترويج لصفقة القرن واعترافها بضم الجولان لما يسمى السيادة الإسرائيلية وعوامل نجاح أو إخفاق هذه المباحثات في حال حصولها وتوقيتها الزمني.


في الحقيقة ومن وجهة نظر شخصية وبخبرة سياسية متواضعة أعتقد أن الواقع السياسي يفرض علينا أن نفكر بمثل هذا السؤال ومحاولة وضع إجابات عنه في هذا التوقيت السياسي بالذات، لكي نتمكن من فهم سبب الحرب على سورية طوال السنوات الماضية واحتمالية استمرارها بأشكال مختلفة، ليس فقط نتيجة موقعها الجغرافي المهم ولا امتلاكها موارد غنية بل نتيجة مواقفها وإرادتها التي لا تلبي طموحات إسرائيل ومصالح أميركا، لذلك فإن التصورات تدور حول السيناريوهات المحتملة التالية:


السيناريو الأول: استئناف مباحثات السلام، ويمكن تقسيم هذا السيناريو إلى عدة خيارات:


• أن تمارس واشنطن ضغوطاً على دمشق للقبول بذلك مقابل حل الأزمة السورية ورفع الحصار الاقتصادي عنها، وهذا الخيار ليس بجديد بل أعلنته صراحة وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون منذ بدء الحرب على سورية، وهو سلوك مازالت تنتهجه الإدارة الأميركية عبر مساعيها لفرض صيغة حل للأزمة السورية مقابل السلام مع إسرائيل والتطبيع معها، وذلك برز مؤخراً في النقاط العشر التي قدمتها المجموعة المصغرة حول سورية، ويعني في الوقت نفسه أن تحتكر واشنطن حصرية الوساطة، لكن هذا الخيار مرفوض تماماً من قيادة دمشق التي ترفض أي صيغة للمقايضة التي عرضتها وتعرضها واشنطن.


• الخيار الثاني: رعاية روسية أميركية لعملية السلام كتعبير عما شهده النظام الدولي من تغيير موازين قواه، ومثل هذا الخيار أعتقد أنه مستبعد نتيجة العامل الداخلي لأميركا، فهناك تيار تمثله قوة لا يستهان بها من مؤسسات الدولة العميقة وفي مقدمها الكونغرس الذي يرفض أي تعاون مع روسيا بأي مجال، ووجود تيار متعصب لمصالح إسرائيل ويرى أن شراكة واشنطن مع روسيا لن يسمح للأولى بامتلاك هامش مناورة لتحقيق مصالح إسرائيل.
وضمن هذا الخيار أو في خيار منفصل يمكن العودة لطرح مؤتمر دولي لرعاية عملية السلام وإعادة إحيائها في حال حصول توافق بين الجانبين الروسي والأميركي، على غرار مدريد1991 ولكن بصيغة مزاوجة القطبية في الرعاية الوسيطة، وقد يشمل الإقليم الشرق أوسطي أي عملية سلام شاملة للإقليم وبمراحل متعددة.


• الخيار الثالث أن تتم المحادثات برعاية روسيا كوسيط دولي جديد، ومثل هذا الخيار يستند إلى مؤشرات ترجيحية، أهمها:
1- خروج سورية من عنق الزجاجة وعدم تمكن واشنطن وتل أبيب من فرض أجنداتهما عليها في تغيير مواقفها واصطفافاتها، لا بالقوة العسكرية عام 2006، ولا بالحرب الناعمة منذ عام 2011 عبر توظيف الإرهاب، والحصار الاقتصادي، والاعتداءات المتكررة والاستنزاف، إلخ.
2- علاقات موسكو الإستراتيجية مع دمشق وغير العدائية مع تل أبيب ووجود مصالح مشتركة بينها وبين طرفي الصراع بل أطراف الصراع الأخرى في لبنان وإيران.
3- امتلاك سورية ومحور المقاومة قدرات عسكرية أثرت في تغيير موازين القوى منذ عام 2006 والتي من شأنها تقييد السلوك العدواني الإسرائيلي والهيمنة الأميركية، وتطوير قدرات هذا المحور وتفوقه في بعض تفاصيل وجزئيات هذا الصراع بما فيها الصناعات التكنولوجية العسكرية والحرب النفسية وصراع الأدمغة والعقول.
4- تغيير النظام الدولي في شكله وطبيعته وأطرافه التي لديها قدرات تأثيرية في ظل تراجع النفوذ الأميركي، فضلاً عن وجود مشاريع جيوسياسية واقتصادية لهذه الأطراف وخاصة روسيا والصين كمشروعي الأوراسي وخط الصين اللذين يتطلبان تأمين بيئة خالية من الصراعات لنجاحهما.


نجاح هذا السيناريو بخياراته المتعددة مرتبط بعامل أساسي، هو قبول إسرائيل باستئناف مسار المحادثات من حيث توقفت ومن دون شروط، ومثل هذا العامل غير متوافر في الداخل الإسرائيلي رغم تراجع فاعلية قوتها العسكرية وتصدع داخلها السياسي والاجتماعي.
الأمر الذي يقودنا للسيناريو الثاني: الحرب الشاملة، ومثل هذا السيناريو مطروح وبشدة لأن تجربة تحرير الجنوب اللبناني أصبحت تمثل أنموذجاً لمحور المقاومة في استرداد الحقوق سواء كانوا دولاً أم حركات مقاومة في ظل عدم جدوى مسار التسوية، وسعي محور المقاومة لتطوير قدراته العسكرية وعدم انجراره خلف السلوكيات العدوانية الأميركية، ربما يكون هدفها انتقاء التوقيت المناسب لمثل هذه الحرب وخاصة دمشق التي اكتسبت حلفاء لن يتخلوا عنها، ولكن حسابات مثل هذه الحرب ستكون حساسة ومصيرية للغاية ولها ارتباطات وعلاقات أيضاً بالقوى الدولية الصديقة لدمشق ومحور المقاومة ولاسيما روسيا الاتحادية، لأن اندلاعها لا يعني انحصارها ضمن الخريطة الإقليمية، بل قد تتسع لتتحول إلى حرب عالمية في حال التدخل الأميركي واستخدام إسرائيل أسلحتها النووية ضد إيران وسورية، وهذا سيفرض تحدياً أمام الروسي: المشاركة وعولمة الحرب أو الوقوف جانباً وانحسار دورها باستثناء تقديم الدعم العسكري لمحور المقاومة.


السيناريو الثالث: وهو الأكثر ترجيحاً ويدور حول أحد الاحتمالين:


• الأول حصول اشتباك عسكري إقليمي محدود ومضبوط بمبادرة من محور المقاومة لتضييق الخناق على إسرائيل مع زيادة النفوذ الروسي في المنطقة، لإرغام إسرائيل على الانسحاب وتطبيق القرارات الدولية تحت ضغط الاشتباك.
• الاحتمال الثاني بقاء الصراع مفتوحاً من دون التوصل لأي نتيجة أو إجراء مباحثات من دون التوصل لأي نتيجة، أي المفاوضات بهدف المفاوضات فقط، وهذا أسلوب تحبذه إسرائيل للتنصل أو اتهام خصومها بالتعطيل، ولكن بقاء الصراع قائماً يعني بقاء المنطقة ساحة للكباشات والمشاريع المتناقضة الأمر الذي يجعلها قابلة للتجاذبات الإقليمية والدولية.


قد أكون صائباً فيما طرحته من تصورات وقد أكون على خطأ، ولكن في كلتا الحالتين أجزم بأن من يراهن على أن تساوم وتقايض القيادة السورية على بقاء النظام السياسي على شكله وحل الأزمة مقابل سلام غير عادل مع إسرائيل هو منفصل عن الواقع السياسي، ومن يراهن على الوقت لتحقيق خرق دستوري وسياسي مع استخدام جميع أشكال الحرب الناعمة من الإرهاب والاقتصاد والأمن واللاجئين، لتغير النظام السياسي السوري، هو منفصل عن الواقع السياسي.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=63945