نافذة على الصحافة

لماذا تخطف السعودية لبنان و تعطل حياته السياسية؟


                                                                                                                                                                                                                                                                              أمين حطيط

قبل سنة تقريباً، ومع إطلاق خطة أوباما ضدّ سورية، ووضع الخطة التنفيذية لها، كان نصيب لبنان من الخطتين أمرين اثنين: في الأمن تخريبٌ واستهدافٌ متنقّل من دون إحداث الانفجار الشامل، وفي السياسة تعطيل المؤسسات الدستورية وتجميدها.
وترجمة لذلك، كانت التفجيرات والصواريخ والعمليات الانتحارية المتنقلة، ثم كانت استقالة حكومة الميقاتي بفرض خارجي ، ثم كانت الشروط التعجيزية التي حالت دون تشكيل حكومة جديدة مع تعنّت وابتداع مواقف مستهجنة ترمي إلى إنشاء أعراف دستورية تضع السلطة التشريعية تحت وصاية السلطة التنفيذية بقيادة سعودية . حيث كانت المقولة البدعة "لا تشريع في ظل حكومة مستقيلة " وهي بدعة لم يعرفها أحد على مساحة الكرة الأرضية من العاملين بالنظام الديمقراطي البرلماني، ونتيجة ذلك، كان تعطيل بل إقفال لمجلس النواب لأكثر من سنة أضيفت إلى ستة أشهر سبقتها يوم كان التعطيل رفضاً لحكومة الميقاتي.
لكنّ حزب الله وحلفاءه الذين وقفوا معه على أخطار لعبة التعطيل هذه فاجأوا الجميع بموقف لافت من تشكيل الحكومة تنازل فيه حزب الله عن معادلة 9 -9 -6 وارتضى عملياً بمعادلة 11- 8 -5 الأكثرية المطلقة لـ 14 آذار/ مارس، ما أحرج السعودية فتظاهرت شكلاً بالقبول بتشكيل الحكومة ونصبت فخاً يعطّلها ويعيد الأمور الى حالة التجميد إن لم يكن أسوأ، لذا كان اختراع عقدة في البيان الوزراي من باب موقع المقاومة فيه، والعقدة هذه أفضت الى الفشل في صوغ البيان وقطعت الطريق بالتالي على مثول الحكومة أمام مجلس النواب في مهلة الثلاثين يوماً من تاريخ تشكيلها، بحسب الدستور. مواقف ونتائج طرحت أكثر من إشكالية دستورية وسياسية، تقود كلّها الى الاستمرار في التعطيل وطرح الأسئلة الكبرى حول أهدافه.
هنا، في التصدي للإشكاليات المطروحة، نذكر بأن المقاومة هي أصلاً حق طبيعي كان للإنسان قبل نشوء الدولة، وقبل تشكل ما يسمى القانون الدولي والأسرة الدولية.
أما بعد نشأة هذه وتلك، فقد انتقل ليصبح حقاً مدنيّاً تكرّسه الأنظمة والقوانين وتنصّ عليه المواثيق والقواعد القانونية المحلية والدولية ولا يناقش فيه عاقل.
أما في ممارسة الحق فمن المؤكد والثابت عرفاً أنها لا تتوقف على إذن من أحد، ولا ترتبط بترخيص أو إجازة من أحد، وتقترن على نحو آلي فوري بحصول عدوان أو انتهاك للذات أو الحقوق المتصلة بها التي تشكل خطراً جدياً على الذات وحقوقها. وبالنسبة إلى الدول، فإن الشعب هو الأصل في امتلاك هذا الحق وممارسته، فالحق هو حق طبيعي للإنسان أولاً، ومع قيام الدولة يفوّض الشعب هذا الأمر للسلطة التي ينشئها لتحميه وتدافع عنه، فإن قصّرت يتصدى للأمر بنفسه، فهو صاحب الحق الأصلي. لذا ينطلق الشعب في مقاومة العدوان والاحتلال الخارجي لأرضه في كل مرة تعجز الدولة عن حماية شعبها وأرضها وسيادتها، ولا يتوقف انطلاق المقاومة على توافر إجماع حولها أو ترخيص من السلطة في الدولة بممارستها.
أقول ذلك لأصل إلى نقطة أساسية جوهرية مؤداها أن المقاومة في لبنان لم تكن ماضياً وليست في حاجة اليوم إلى نص في البيان الوزاري لتثبيت شرعية سلاحها ووجودها، فمجرد وجود الاحتلال "الإسرائيلي" في شبعا وتشكل الأخطار التي تتهدد حقوق لبنان، مبرّر كافٍ لوجود المقاومة. وهنا يطرح السؤال: لماذا تتمسك المقاومة بأن ينصّ البيان الوزاري على هذه الشرعية اليوم؟
يتذكر الجميع أن المقاومة اللبنانية، وفي العناوين كلّها التي عملت تحتها منذ انطلاقتها في عام 1982، لم تطالب السلطة يوماً باعتراف أو مؤازرة، بل كانت يوم انطلاقها في جفاء إن لم نقل عداء مع السلطة التي جاء بها الاحتلال "الإسرائيلي" أصلاً.
واستمرت المقاومة متجاهلة موقف السلطة منها دونما اكتراث بما يكتب في الدواوين الرسمية حولها، حتى كان اتفاق الطائف الذي نصّ في غياب المقاومين على حق لبنان في تحرير أرضه بجميع الوسائل المتاحة، بما فيها المقاومة بالتأكيد. لكن القرار 1559 غيّر الوضع إذ صيغ على نحو مناقض لميثاق الأمم المتخحدة، وكان أحد أهدافه النيل من المقاومة بتسميتها ميليشيا واجبة الحل، والتماهي مع الموقف الأميركي الذي يراها تنظيماً إرهابياً. وكان على المقاومة التي حررت معظم جنوب لبنان والتي هزمت "إسرائيل" بعد التحرير ومنعتها من الاحتلال مجدداً، أن تدافع عن نفسها كي تحمي منجزاتها. رأت المقاومة أن من مقتضيات الدفاع أن ينصّ البيان الوزاري على الحق في المقاومة وأن تشترط الثقة بالحكومة بمثل هذا الالتزام، ما يمنعها عن المغامرة والتفريط بالمقاومة استجابة للمطالب الصهيوـ أميركية. ما يعني أن الإصرار على هذا الأمر اليوم هو ممارسة لحق الدفاع عن المقاومة في ظل هجوم يستهدفها وجوداً ودوراً ويستهدف منجزاتها بالتأكيد، وبالتالي فإن القبول بشطب المقاومة من البيان الوزاري هو بمثابة الخطوة الأولى لإدخال العدو إلى الدار. لذا لا يمكن لمجتمع المقاومة أن يقبل بالتفريط في الأمر مهما تكن النتائج، وتعلم السعودية ذلك وعاشته على مدار الأعوام العشرة التي تلت صدور القرار 1559، ما يعني أن الإصرار على رفض هذا الموقف الدفاعي يعني رفضاً لاستمرار هذه الحكومة برفض مثولها أمام مجلس النواب لنيل ثقته.
أما الإشكالية الثانية المتعلقة بمهلة الـ 30 يوماً وخروج بعض "الفقهاء المستجدّين في العلم الدستوري" وتوصيفهم لها بأنها مهلة حث وليست مهلة إسقاط، فإننا نرى أن يتذكر هؤلاء الآتي:
ميّز المشترع في المادة 64 من الدستور بين حالتين يمنع على الحكومة فيهما أن تمارس صلاحياتها إلاّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال:
- حالة قبل نيل الثقة،
- وحالة اعتبارها مستقيلة بعد نيل الثقة.
وجاءت المادة 69 من الدستور لتفصل أوضاع الحالة الثانية، بينما تعتبر الحالة الأولى مستقلة عن الثانية ولا يمكن بحث أوضاعها أو التفتيش عن نص حولها في المادة 69، بل إن ظرفها يتحقق حصراً في حالة عدم تقدم الحكومة لنيل الثقة في المهلة التي حددها الدستور وهي 30 يوماً، ما يعني أن هذه المهلة هي مهلة إسقاط الحكومة من أهلية التقدم إلى مجلس النواب لنيل الثقة، ما يوجب الشروع في تشكيل حكومة بديلة فوراً.
اعتمد المشرع اللبناني هذا النص، كما اعتمد نصوصاً أخرى ليعالج ثغراً دستورية تشكلت قبل الطائف وبها يرسي ضوابط ومعايير تقيّد الحكومة نشأةً واستمراراً، فمعظم ما ورد في المادة 69 لم يكن موجوداً قبل الطائف ووجد بعده حلاً لإشكال أو سجال كان قد حصل. فعلى سبيل المثال، النص على سقوط الحكومة باستقالة ثلث أعضائها وضع لمعالجة مشكلة استمرار حكومة بعد استقالة نصف الأعضاء، كما حصل في عام 1988، كما نُصّ على اعتبار الحكومة مستقيلة بوفاة رئيسها لحسم الجدال حول استمرار حكومة الرئيس رشيد كرامي الذي اغتالته "القوات اللبنانية" عام 1986 ويومذاك كلف الرئيس سليم الحص برئاسة الحكومة ذاتها مكانه، وكان النص على مهلة 30 يوماً منعاً للتسويف والحكم من دون ثقة كما حصل في عام 1988 فهدّد المشترع الحكومة بالسقوط إن لم تتقدم لنيل الثقة من المجلس خلالها.
إن السعودية ـ التي رعت اتفاق الطائف وهذه النصوص ـ تدرك تماماً أن عدم تقدم الحكومة في مهلة 30 يوماً لنيل الثقة يعني دخولها في وضع أسوأ من الاستقالة، ورغم ذلك فإنها تمنع الوصول إلى بيان وزاريّ يؤهل الحكومة لنيل ثقة مجلس النواب، ما يستدعي السؤال: لماذا؟
و تفسيرنا على ما نعتقد يكمن في المشهد التالي : إن السعودية التي تتخبط في سورية، والتي ضاعف مآزقها انفجار العلاقة مع قطر والتهديد بانفجار مجلس التعاون الخليجي، باتت تدرك أن فضاءها الاستراتيجي الحيوي إلى انحسار مضطرد ، وباتت على يقين من أن ليس في إمكانها العودة إلى العراق أو الانتصار في سورية، أو امتلاك قرار اليمن، أو قمع ثورة البحرين، فضلاً عن عجزها عن التغلغل إلى ليبيا، وشكوكها الكبيرة حول قدرتها على امتلاك قرار مصر رغم ما تقدمه هناك من أموال. إن السعودية وهذه حالها في المنطقة، ترى ـ على ما يبدو ـ أن الاحتفاظ بلبنان رهينة في يدها حتى يأتي زمن الحلول، لتقايض به أو لتحصل عليه كجائزة ترضية، ولذلك تلعب لعبة التعطيل، تعطيل كل شيء فيه، والدور المقبل سيكون على ما يبدو تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية… فهل تنجح؟ نشك في ذلك ونعتقد أن الفشل في لبنان سيكون حليفها بعدما أدمنته في مختلف أقطار المنطقة، وشتان ما بين القدرة على الدمار وأهليّة القرار.
للسعودية قدرة تدمير إلى حين… وبعد ذلك يكون الندم.

البناء

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=6137