وجهات نظر

الرجل الذي يلعب داخل الحائط

نبيه البرجي


الاعلام تايم _ الوطن


من الذي يتخلخل الآن، ويكاد يقع، تمثال مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك أم تمثال الرئيس الحالي رجب أردوغان؟ آلاف الجنرالات، والقضاة، والصحفيين، والأكاديميين، وراء القضبان. بعضهم يتحدث عن «جمهورية الخواء». بعضهم يتحدث عن «جمهورية الأواني الفارغة».


حين كتبنا عن التقاطع بين دراكولا وكاليغولا في شخصية رئيس أميركا دونالد ترامب، اتصل بي زميل تركي في المنفى «عندنا التقاطع بين دونكيشوت ومكيافيلي في شخصية الميني سلطان».


سأل ما إذا كان رجب طيب أردوغان، بثقافة البهلوان، وبمواصفات البهلوان، يدرك إلى أين تمضي به الرياح، هو الذي راهن، وما زال، على أن تناط به إدارة الرياح.


الراقص على خيوط العنكبوت، هل يتصور أنه يلعب على الأرض السورية، بالأصابع العثمانية تلك، لحسابه؟ منتهى الغباء أن يفكر هكذا. الأميركيون لا ينتظرون جثته، تبعاً للمثل الصيني، على ضفة النهر، إنهم يعملون، تدريجياً، على تحويله إلى جثة.


منذ البداية وهو يرتطم بالخطوط الحمراء (أحزمة اللهب). ظن أنه على مسافة قوسين من دمشق؟ كل مساء لقاء في المقر الرئاسي إلى الهزيع الأخير من الليل حول التفاصيل المتعلقة بإدارة سورية. أخيراً، إدارة الهباء.


حين مني بالهزيمة في انتخابات بلدية اسطنبول، قال الباحث الأميركي البارز روبرت سوتلوف «في قصيدته الشهيرة، تحدث عن المآذن، والقباب. أغفل الحديث عن المقابر».


التصدع الداخلي أكثر بكثير من أن يوصف بكلمات، أردوغان يدرك ذلك. يراوغ على كل الجبهات ليحصل على ثمن لأدواره اللولبية. لا حاجة لاستعادة ما حصل على امتداد العامين الماضيين. التمثال يهتز.


كثيرون حذروه من أن الدولةالتركية جزء من السيناريو الخاص بدومينو الخرائط. نفسه دومينو الحرائق. كان يفترض به، في ضوء المعطيات التي وضعت بين يديه، أن يعيد هيكلة سياساته الخارجية. تحديداً، أن يخلع طربوش السلطان.


رفاقه القدامى هم من يتوجسون الآن، إلى أين يفضي اللعب داخل الحائط؟ فعل كل ما في وسعه ليكون رجل رئيس أميركا السابق باراك أوباما، ثم رجل دونالد ترامب، في المنطقة. لولاه لما حدث ما حدث في سورية. لولاه لما كان العراق يعاني ما يعاني. اللاعبون الآخرون أكثر هشاشة من أن يتولوا إدارة الصراعات، ولو من ثقب الباب.


ألم يكن من الأجدى له ألا يصل إلى حالة انعدام الوزن؟ هو الذي ما زال يعتبر نفسه بيضة القبان في أي تسوية كبرى أو صغرى. قيل له (والأرض قالت وتقول ذلك) :«قد تصل إلى المريخ سيراً على الأقدام لكنك لن تستطيع حتى النظر إلى دمشق».


مضحك وزير دفاعه، بلهجة الصدر الأعظم. متى يدرك ذاك الطراز من الباشوات، أن السلطنة تبعثرت، وتناثرت، من مئة عام؟ لا مجال لترميم العظام، ولا لإعادة الصهيل إلى الأحصنة الهرمة. منذ الحرب العالمية الأولى تغير الكثير من أحوال الدنيا.


لنتذكر أولئك الذين ارتضوا أن تكون بلادهم الأداة، وأن تكون المخزن (والسور) النووي، أن تكون الضاربة على الطبول في الشرق الأوسط.


رأسه في مكان، قدماه في مكان آخر. قطعاً، هذه ليست بـ«الشطارة» التكتيكية، ولا بـ«الشطارة» الإستراتيجية. في اسطنبول بالذات، وحيث تعاد الانتخابات البلدية على طريقة جمهوريات الموز، تحذير من أن تقطيع أوصال الميني سلطان أفضل بكثير من تقطيع الميني سلطنة.
لا الحائط يصغي ولا الذي داخل الحائط.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=60714