وجهات نظر

باختصار : آثارنا المنهوبة من يبكيها؟

زهير ماجد


الاعلام تايم - الوطن العُمانية


منذ طفولتي وأنا أحتفظ بذاكرة حية لفيلم سينمائي عنوانه “أحدب نوتردام” .. القصة للكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيجو .. ظل الاسم يطن وبات من الذكريات الجميلة التي مرت في حياتي، إلى أن شاهدت الكاتدرائية عن قرب .. كان حلا أن يتعرف المرء على مشاهد رآها في السينما فإذا هي أمامه حية ناضرة..


اليوم احترق المشهد، كان ينقص الفيلم آنذاك مشهد النيران وهي تأكل أجمل هندسة خشبية داخلية .. ربما لم يرد مخرج الفيلم الذي يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، أن يطعم النيران واحدة من الجماليات التي أبدعها فنانون عملوا عليها منذ إنشاء الكاتدرائية في القرن الثاني عشر .. بل ربما لم يدر في خلد أحد أنه سيأتي يوم حزين كما جرى بالأمس فيها.


لا شك أنه تراث عالمي يستحيل زيارة فرنسا بدون مشاهدته .. بل إن الفرنسيين كانوا مغتبطين جدا لهذا الحرص النادر في العالم الذي تزوره الملايين من السياح كل عام ويشكل دخلا مهما لفرنسا، بل مأثرة لها.


هل كان هنالك فاعل أم ثمة أخطاء بشرية ادت إلى الحريق..؟ الفاعلون كانوا قد دمروا قبلها جملة آثار في بلادنا .. لعلها من الأكثر انتماء إلى التاريخ الإنساني .. فعلوها في العراق وقد شاهدناها أمام أعيننا، وفي سورية أيضاً .. كان تحطيم التراث الحضاري أول فعل لتلك الوحوش التي لا تتقن غير تنفيذ الأوامر .. من أصدرها لها هو المسؤول عن هذه الكارثة البشرية والانسانية .. ثمة من لا تاريخ له ولا حضارة لا يريد كتابة تاريخ حضاري للعراق ولسورية وغيرهما .. لم نشعر يومها أن ثمة حرصا عالميا على ما جرى لآثار سورية والعراق، بل لم نقرأ أية تأثير من أي مسؤول عالمي أو أممي على الكنوز السورية والعراقية التي نهبت وسرقت أو تلك التي جرى تحطيمها وتكسيرها.


لا يعني ذلك أنهم يلغون تاريخاً معروفاً وقائماً شهدته الانسانية قبل التاريخ؛ أي قبل أن يكون هنالك تدوين كما يقول جبرا إبراهيم جبرا .. في منطقتنا وخصوصاً في العراق وسورية كانت بداية التاريخ الانساني، كلما ذكرت حضارة بلاد الرافدين، أشير إلى أن الإنسان وضع بصمة وجوده الأولى هناك.


لم يتذمر أحد يوم هجمت الوحوش البشرية على متحف بغداد وعملت فيه نهباً وتكسيراً، وحدها وقفت مديرة المتحف وهي تبكي بمرارة وكادت أن تسقط على الأرض مرات .. صاحب التاريخ وحده من يعرف أنه أول مفتاح إنساني لحضارة ظهرت .. أما ذاك العالم يومها، فلم نسمع منه حرصا على مخزون تراثي تاريخي تم تدميره أمام الكاميرات ولم نجد صدى لهذا الفعل، بل إن وحوش الأرض الذين قاموا بالتكسير لآثار تدمر، قتلوا أبرز المتخصصين والمسؤولين عن آثار سورية.


نتشارك مع فرنسا حزنها على معلم مهما أعيد بناؤه فلن يعود كما كان وأقلها أنفاس ماضيه وتاريخيته .. لكننا نسأل العالم الذي تضامن وتأثر، أين كنتم يوم نهب تراثنا الموغل في تاريخه والمعبر عن رحلة الإنسان عبر المكان والزمان..؟ وهل يعنيكم فقط معنى تراثكم، دون اهتمام بتراث البشرية الذي هو ملك للانسانية كلها..؟


حزني وحزننا عميق على حريق لمكان مقدس لدى أصحابه أولاً، وثانياً روعة بنائه وتحفته الفنية.. ونشارك الفرنسيين الذين صدموا بالمشهد الذي لم يتحسبوا له.. أما مشاهد تدمير تراثنا فمن يبكيها..؟!
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=60188