تحقيقات وتقارير

في يوم الأرض.. "صفقة القرن" لن تمر


الاعلام تايم


مهما علا شأن أي دولة أو كيان في العالم لا يستطيع محو الذاكرة التاريخية والحضارية والإنسانية لشعب ما أو أرض ما، ولا تستطيع القوة مهما بلغت مداها أن تضيع حقاً خلفه شعب صامد صابر ويطالب ويضحي لأجل عودة هذا الحق صغر أم كبر، فكيف إذا كان المسلوب هوية أرض وكرامة وسيادة.


بداية.. وبمناسبة يوم الأرض 30 آذار لابد أن نسرد تاريخياً سبب تسمية هذا اليوم الذي يحيه الفلسطينيون في كل بقاع الأرض كل عام.. في آذار 1976 قامت السّلطات الصهيونية بمصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي فعم إضراب عام ومسيرات واندلعت مواجهات أسفرت عن شهداء فلسطينيين ستة، فيما وأُصيب واعتقل المئات.. فاعتبر ذلك اليوم يوم الأرض وهو الحدث المحوري في علاقة المواطنين العرب بالجسم السياسي الصهيوني حيث أن هذه هي المرة الأولى التي يُنظم فيها العرب في فلسطين منذ عام 1948 احتجاجات رداً على السياسات الصهيونية بصفة جماعية وطنية فلسطينية.


اليوم.. يحيي الفلسطينيون الذكرى الـ 43 ليوم الأرض الذي يصادف في الثلاثين من آذار من كل عام بمليونية الأرض والعودة ومسيرات وفعاليات مختلفة تؤكد تمسكهم بأرضهم وبمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.


الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار جددت دعوتها للفلسطينيين للمشاركة في (مليونية الأرض والعودة)، تأكيدا على صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بالمقاومة حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقوفه صفا واحدا ضد “صفقة القرن” الرامية لتصفية القضية الفلسطينية.


المسيرات المستمرة في فلسطين المحتلة منذ اذار 2018 وصل عدد الشهداء فيها  الذين قضوا جراء قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي مسيرات العودة وكسر الحصار  إلى 280 شهيدا إضافة إلى إصابة أكثر من 30 ألفا بجروح مختلفة وحالات اختناق بالغاز.


ورغم العنف الإسرائيلي، استمرت المسيرات، ثم تطورت أدواتها لتضاف إليها الطائرات الورقية المُحمَّلة بفتائل مشتعلة، والبالونات الحارقة، وقصّ السلك، وصولاً إلى "الإرباك الليلي"،  وقد حققت المسيرات تواجداً في المحافل الدولية والإقليمية، وأحيت مبدأ وفكرة حق العودة في ظلّ الواقع التطبيعي.


بالعودة الى تاريخية يوم الأرض.. يشار إلى أن الشرارة التي أشعلت الجماهير العربية ليوم الأرض، كانت بإقدام السلطات الصهيونية على مصادرة نحو 21 ألف دونما من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل ومنها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد وغيرها في العام 1976 لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات في نطاق خطة تهويد الجليل وتفريغه من سكانه العرب، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في أراضي 48 وخصوصا المتضررين المباشرين عن الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار.


وفي مثل هذا اليوم أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث إضرابا عاما، وحاولت السلطات الصهيونية كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين والقوات الصهيونية ، كانت أعنفها في قرى سخنين وعرابة ودير حنا.


وبذلت "إسرائيل" جهودا كبيرة لكسر إرادة القيادات الفلسطينية ومنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا الإضراب العام في اجتماع يوم 25 آذار 1976 في مدينة شفاعمرو، وجاء قرار 'لجنة الدفاع عن الأراضي العربية' التي انبثقت عن لجان محلية في إطار اجتماع عام أجري في مدينة الناصرة في 18 تشرين الأول 1975، إعلان الإضراب الشامل، ردا مباشرا على مصادرة أراضي ومنع السكان العرب من دخول المنطقة في تاريخ 13-2-1976.


ويشير باحثون إلى أن مصادرات الأراضي بهدف التهويد بلغت ذروتها في مطلع 1976 بذرائع مختلفة تجد لها مسوغات في 'القانون' و'خدمة الصالح العام'، أو في تفعيل ما يعرف بـ'قوانين الطوارئ' الانتدابية.


وكانت أرض 'المل' التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم، تستخدم في السنوات 1942-1944 كمنطقة تدريبات عسكرية للجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، مقابل دفع بدل استئجار لأصحاب الأرض، وبعد عام 1948 أبقت ما تسمى بإسرائيل على نفس الوضع الذي كان سائدا في عهد الانتداب البريطاني، إذ كان يسمح للمواطنين بالوصول إلى أراضيهم لفلاحتها بتصاريح خاصة، في عام 1956 قامت السلطات الصهيونية بإغلاق المنطقة بهدف إقامة مخططات بناء مستوطنات يهودية ضمن مشروع تهويد الجليل.


كما كان صدور وثيقة (كيننغ) في 1976/3/1 من قبل متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الصهيونية (يسرائيل كيننغ) وثيقة سرية، سمّيت فيما بعد باسمه، والتي تستهدف إفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها، واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.


وكان الرد الصهيوني عسكريا شديدا على هبة 'يوم الأرض'، باعتبارها أول تحد ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، حيث دخلت قوات معززة من الجيش الصهيوني مدعومة بالدبابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية وأعادت احتلالها، موقعة شهداء وجرحى بين صفوف المدنيين العزل، فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 أشخاص 4 منهم قتلوا برصاص الجيش واثنان برصاص الشرطة.


رغم مرور 43 عاماً.. لم يمل الفلسطينيون من الاحتفال بيوم الأرض، الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وأنه انعطافة تاريخية في مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم منذ نكبة 1948، وتأكيدا على تشبثهم بوطنهم وأرضهم، ويعتبرون أن إحياء ذكرى هذا اليوم ليس مجرد سرد أحداث تاريخية، بل هو معركة جديدة في حرب متصلة لاستعادة الحقوق الفلسطينية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=59757