تحقيقات وتقارير

نصنع المعجزة والبوابة من "الاقتصاد المنزلي".. السوريون في مواجهة الحرب الاقتصادية


الاعلام تايم || رنا الموالدي

 

فرضت الحرب الاقتصادية على سورية، ظروفاً صعبة على حياة الناس وخاصة الشريحة الأوسع، جراء تأثير العقوبات الاقتصادية على السلع الأساسية والمشتقات النفطية، بدءاً من مصادر التدفئة والإنارة والنقل كالمازوت والغاز والكهرباء والبنزين وغيرها، والتي ربما تتعدى هذا الحد لتصل ضرورات حياتية أخرى.

 

في مشهد يعيد إلى الأذهان أزمات تكررت خلال سنوات الحرب، لم يقف السوري مكتوف الأيدي أمام تلك الظروف القاسية، فلا يمكن للحكومة رفع الدخول كالرواتب، متجاهلة شدة الازمة التي نمر بها، فزيادة الدخل تأتي تبعاً لزيادة الإنتاجية وهذا ليس بأمر جديد، بل يدركه المتخصصون وكل من لديه وعياً بكيفية تطور الاقتصادات ونموها، وعلى أساسه قيل "لا تطعمني سمكة، لكن علمني كيف أصطاد".


من هنا أثبت السوري أنه الأقدر على إدارة أزماته المعيشية وإيجاد البدائل لمتطلبات حياته اليومية، فحين بدأت أزمة الكهرباء وجد في "الليدات" الكهربائية أفضل بديل، والغاز المنزلي استبدله بـ"الطباخ الكهربائي"، أما مازوت الشتاء فكان بديله الحطب، ناهيك عن أن كثير من العائلات اهتدت في ظل انهيار القدرة الشرائية، لفكرة الزراعة المنزلية للاستغناء عن شرائها من الأسواق.


الفكرة نفسها دعا إليها خبراء اقتصاديون مؤخراً، معتبرين ما يسمى "الاقتصاد المنزلي" أفضل حل للتكيف مع الأزمة الحالية للبلاد، فالميزانية لكل أسرة لها جانبان: أحدهما للإيرادات أي "الدخل" والآخر للمصروفات.. وعندما تكون أوجه الإنفاق أكثر من الدخل يحدث الخلل في الميزانية إذا كان الدخل لا يكفي لتغطيه جميع النفقات..


ولما كانت الحكومة لا تشك بحسن تدبير المواطن السوري بتغيير نمط الاستهلاك للسلع والخدمات حتى تتوازن الميزانية ويختفي العجز، تعمل حالياً  وعلى نفس المبدأ "لا تطعمني سمكة لكن علمني كيف أصطاد"، لغرض التكيف وتحقيق اكتفاء ذاتي لدى العائلات من خلال العمل الزراعي وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، فالأرياف ما زالت تتخللها بعض مظاهر الإنتاج المنزلي، فيما دور الأسرة المدنية ينحصر غالباً في تطوير ورش الصناعات الحرفية وتمكين ارتباطها مع الأسواق.


وفي هذا السياق تنفذ الحكومة الخطط لدعم تلك المشاريع التي أصبحت خياراً استراتيجياً حتمياً لدعم القدرة الاقتصادية عبر هيئات متخصصة كـ"هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة " والتي تقدم قروض تشغيلية عبر المصرف الزراعي التعاوني خاصة لقطاع الزراعة، باعتباره من القطاعات كثيرة العمل وتأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي وإنشاء مراكز بيع دائمة لمنتجات المرأة الريفية في محافظات اللاذقية وحلب وحمص وحماة وكل ما يتطلب للنهوض بهذا القطاع.


كما تعمل الهيئة على تسهيل انخراط أصحاب المشاريع والأفكار الجديدة من فئة الشباب في عملية التنمية واستثمار مهاراتهم وقدراتهم بشكل يلبي طموحهم المهني واحتياجاتهم المعيشية، ويمكنهم من الدخول إلى سوق العمل والإنتاج لإعطاء مشاريعهم صفة الاستدامة والاستمرارية، حيث أطلقت المدينة الحرفية في منطقة عدرا الصناعية للتعامل مع الحرف التي خسرتها سورية خلال الحرب، لتكون نواة للعمل الحرفي وخاصة للكفاءات التي خسرت مشاريعها الحرفية، بتقديم الدعم الفني المطلوب وتوفير الاستشارات والبرامج التدريبية التي تستهدف تطوير المهارات والأعمال لتحسين جودة المنتج والتأسيس لعلاقات تشابك بين رجال الأعمال والشركات الوسيطة والمجتمع بما يتيح الوصول إلى السوق الداخلية والخارجية.


وضمن جهود الحكومة لـ "دعم الثروة الحيوانية وتجديد وترميم قطيع الأبقار وتأمين فرص العمل ودعم مربي الحيوانات وتوفير الحليب ومشتقاته"، تم استيراد آلاف الأبقار والتي توزع على المكتتبين من خلال قروض ميسرة لمدة 5 سنوات بما يساهم في وضع عجلة عمليتي التربية والانتاج بالطرق الصحيحة وينعكس بشكل إيجابي على الثروة الحيوانية ولما له من دعم على الصعيد الصناعي ودعم المربين.


وتعقيباً على ذلك، قال الخبير الاقتصادي السوري، الدكتور حيان سلمان "خلال سنوات الحرب أنجزنا معجزة اقتصادية والذي مكننا هو الأساس المادي القوي في سورية من زراعة وصناعة وغير ذلك، فسورية مثلاً ومنذ سنوات حققت اكتفاء ذاتي من سلع غذائية كثيرة وفي مقدمتها القمح وهو أسمى من أن يكون خبز العيش فقط لأنه يدخل ضمن عوامل ومقومات الصمود ليس في الجانب الاقتصادي وإنما في الجانب السياسي أيضاً".


كما أن سورية يضيف سلمان أقل دول العالم مديونية وهذا يعطي حرية ومرونة لصاحب القرار الاقتصادي للتعاطي مع مشكلات طارئة، إضافة أن سورية اعتمدت وتعتمد على أصدقاء وقفوا معها في الأوقات الصعبة وكل متابع لحالة السوق يتيقن أن كل السلع متوفرة في الأسواق رغم وجود المحتكرين الذين يرفعون الأسعار. ولفت الدكتور سلمان في حديثه للإعلام تايم أن "لدينا رؤية تفاؤلية لتخفيف تداعيات الأزمة على الاقتصاد وحياة الناس ومنها اعتماد سياسة وطنية تدخلية والتخلي عن مبدأ المستوردات إلا بشكل محدود ووفقاً للأولويات، وذلك بتشجيع البيئة الاستثمارية وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات الإنتاجية والتي نمتلك فيها مزايا نسبية ونسعى لتحويلها إلى مزايا تنافسية ووضع الاستثمار في إطار إنتاجي وطني" .


تواصل الدول المعادية لسورية في استهداف المجالات الاقتصادية الحيوية، للتأثير في المواطن السوري، ويتفنن السوريون، في صنع المعجزات.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=59433