وجهات نظر

"استغاثات" محقة.. و"لهم فيها مآرب أخرى"

طارق ابراهيم


الاعلام تايم


"استغاثات" التواصل الاجتماعي مؤخراً بسبب نقص مواد التدفئة، يقول مراقبون تحمل في طيات سطور منشوراتها عنوان عريض: "لنا فيها مآرب أخرى"، فتزاحم الناس في الأسواق والشوارع، تنسج حوله الصفحات "الفيسبوكية" قصصاً -هي في الغالب الأعم- حكايات مبالغ فيها- لإثارة المواطنين ودفعهم للقيام بسلوكيات اقتصادية ضارة.


لم تنكر الجهات الحكومية النقص الحاصل، بل شهدت الجلسات الحكومية خلال الفترة الماضية حالة تأهب قصوى لمواجهة آثار العقوبات الاقتصادية الجديدة على سورية، ودرء آثارها عن المواطن، فالجلسات الحكومية، أقرت مبدأ "الاعتماد على الذات" في مواجهة المتغيرات والتحديات، مع حتمية اتخاذ قرارات جريئة وغير تقليدية تصب باتجاه تأمين مستلزمات واحتياجات المواطن كأولوية متقدمة، عبر لائحة مهام "استثنائية"، تزامناً بالضرب "بيد من حديد" على الفساد والفاسدين والبدء بخطوات محاسبة مكثّفة ضماناً لحصول المواطن على حقه.


حلول وخطط بحاجة للتطبيق المباشر، ليس فقط من أجل تأمين الغاز و الكهرباء والسلع التي يمكن أن يفقدها السوق في الفترة القادمة، ولكن لأن الدولة السورية بكل مكوناتها وعت لما يحاك مؤخراً حيث رفعت المنظومة المعادية تأهبها لأقصى حد في معاقبة سورية.. ممنوع إعادة الإعمار.. ممنوع أن يدخل الى سورية كل ما من شأنه يعيد بوصلة الحياة الطبيعية ونسيان معاناة الحرب الإرهابية التي أتت على أخضر ويابس الشعب السوري.


من قانون"قيصر ترامب" المعدل، كانت بوابة العبور لإعادة بوصلة الزمان سنوات إلى الوراء، ومن فظائع الفيس الخطة بدأت، سنعيدها سيرتها الأولى.. لن نسمح للمواطن السوري أن يتنفس الصعداء وسنجعله يترحم على سنوات عاش فيها تحت رحمة قذائف الإرهاب.. هذا ثمن الـ"لا" السورية لمحور المتآمرين..


في تشرين الثاني الماضي، أصدر البيت الأبيض بيان تأييد لمشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ الاميركي، القانون ليس بجديد، فقد تم تقديمه أول مرة عام 2014، أثناء حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، لكن الجديد في هذه المرة هو ما يتعلق بالفترة الزمنية التي وصلت إلى 10 سنوات من العقوبات بدلاً من عامين، إضافة الى تشديد العقوبات على قطاع الطاقة، والعقارات والمصارف، في يقين منها أن ذلك يقف عقبة في وجه التنمية الاقتصادية، التي شهدت تقدماً ملحوظاً، وبالإضافة لما يسمى "قانون قيصر"، كانت العقوبات الاوروبية مع إجراءات مشددة ، كما الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة بالقرب من مطار دمشق، كانت عناوينها واضحة ممنوع الاستثمار في سورية، ممنوع التقارب مع سورية، ممنوع وصول ناقلات النفط الى الموانئ السورية، ممنوع أن ينتعش المواطن السوري.


محور التآمر على سورية كان يقول مع بداية الحرب الإرهابية على سورية إن العقوبات الاقتصادية تم انتقاؤها بذكاء حتى لا تؤثر على الشعب السوري، وهذا قول مجاف للحقيقة، "هلّا فكرتم مليّا".. من المستفيد؟.. من شائعات انتشرت كـ"النار في الهشيم" على بعض صفحات ومواقع "قلبها على الشعب السوري" وهي تعيش في نعيم أنقرة ولندن وباريس والخليج..


"هاشتاغات تويترية" و"حملات فيسبوكية"حملت شعارات تصب في غاية واحدة،"حكومتنا لا تلبي أبسط متطلباتنا".. مطالب محقة لم تنكرها الجهات الحكومية المعنية، لكن وفي غفلة متعمدة لبعض "الفيسبوكيين"، وأخرى عن غير قصد، استغلتها إدارة الحرب والمؤامرة على سورية، عبر الوضع المعيشي الذي سببته العقوبات الاقتصادية الجائرة على سورية، من خلال صفحات صفراء اعتمدتها منظومة الاعلام المعادي، واليوم "اسألوا أهل المعرفة إن كنتم لا تعلمون"، لماذا تدار الحملة على الحكومة السورية من عاصمة الضباب "لندن؟"


في تقارير سابقة كنا نريد أن يصل صوت المواطن السوري وتساؤله لأصقاع المعمورة عندما جاء السعودي والقطري والتونسي يطالبون بالحرية على الأراضي السورية.. حرية القتل.. النهب .. النكاح، والآن نفس التساؤل اذا كان المواطن السوري يريد غاز أو كهرباء ويستطيع المطالبة بحقوقه، فما علاقة قاطني فنادق اسطنبول ولندن والخليج .


تدرك كل الجهات المعنية أن المعيشة ترهق المواطن الذي صمد طيلة سنوات الحرب، لكن عليه أن لا يلغي من قائمة ما يراوده أننا ما زلنا في دائرة الاستهداف من قبل رعاة وداعمي الحرب على سورية، الذين انتقلوا للخطة البديلة، كما عليه أن ينسى ثقافة"الله يسامحه"، في دعوة صريحة لتعميم ثقافة الشكوى على كل المتنفّعين على حساب قوت المواطن، سواء أقل ذلك أم كثر.
تساؤلات محقة..


هل تساءلتم عن إخماد شرارة الحرب وكم كلفت الدولة بشراً وحجراً، لا تغيبوا عن ذاكرتكم أنه في أحلك أيام الحرب على سورية كانت ناقلات النفط تصل الى سورية بأمان، وعندما بدأت التنمية الاقتصادية في سورية بشكل حقيقي، بدأ الحصار عبر استهداف الناقلات في البحر تفجيراً وحصاراً خانقاً، هل تعرفون أن سورية ورغم الحرب الإرهابية الظالمة بلا ديون، وهل تظنون أن محوراً من عشرات الدول ومئات المنظومات الاعلامية الضخمة، ومئات مليارات الدولارات، يقبل أن يكون مهزوماً من شعب ناضل في سبيل الحصول على قوت يومه، بقي في وطنه لا يرضى بذل العيش في المخيمات، أو اللجوء الى "النعيم الاوروبي" والتحنن عليه بحفنة من الدولارات والأرغفة، مقابل الولاء لتلك المنظومة المعادية معروفة الغاية والهدف، الكل يعلم أنهم أخفقوا في العسكرة والسياسة وانتقلوا للمرحلة الاخطر، حرب اقتصادية تشعل نيرانها صفحات صفراء في أوروبا تؤلب المواطن على حكومته، على بلده، على رموز وطنه، وعينها على ما سمي زورا وبهتانا "ثورة".


الحرب الاقتصادية لن تحقق أهدافها السياسية، وستفشل كما فشلت الحرب الارهابية، ولكن تحتاج الى دراية وإدارة بخطط تحمل الحلول والبدائل، والشفافية مع المواطن وردم هوة الثقة بينه وبين الحكومة، فالتهديدات والعقوبات ليست جديدة على الشعب السوري، وتمتد لعشرات السنوات، وبينما يعتبر محللون وخبراء اقتصاديون أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التصعيد في الحصار والحظر الاقتصادي، علينا أن نحذر من الانجرار خلف شعارات هدفها تعميق الهوة بين المواطن والحكومة، وإعادة سورية الى سيناريو 2011.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=58543