وجهات نظر

عصابة القرود الشريرة

محمد البيرق


الإعلام تايم- تشرين

 

عام 1928 صدر كتاب للسياسي البريطاني آرثر بونسومبي بعنوان «التزييف في زمن الحرب.. أكاذيب الإعلام في الحرب العالمية الأولى»، وفيه قواعد إعلامية عشر اتبعتها الدول المعتدية في الحرب ومنها:

 

«نحن لا نريد الحرب- غاياتنا نبيلة وإنسانية- العدو يستخدم الأسلحة المحظورة…» وفيها أيضاً أضخم الكذبات وأكبرها وتقول: «قضيتنا مقدّسة ومحقّة».

 

أما في عام 2019، ومع اختلاف السيناريوهات، والاحتفاظ بالفقاريات المشغلة لماكينة الحروب في العالم، فنجد أن السياسة الفاسدة لحيتان الدول العظمى يمكن أن تلمّ شمل الضفادع أيضاً، مادام في هيكلها العظمي «عمود فقري» واهن، ومادامت المهيمنات السياسية الجديدة وتعاملاتها تقوم على الاستفادة من الآخر بوصفه سوقاً للسلع، ومصدراً للمواد الأولية، أو يمكن أن يكون ضرعاً يُبتزُّ طوال فصول السنة من دون مراعاة لـ«ربيع ثورجي عاشب» مأمول الخيرات، والخريطة الجيوبولوتيكية والسياسية مرسومة، وسمت حضور العدوان حاضر بكفيل ووكلاء، والتكتيكات ينقصها عمود دخان ومذياع.

 

في سورية حطّت رحال الفقاريات، ولابدّ من مشاركة القردة في الحرب المزعومة على الإرهاب، وعلى عكس القردة الحكيمة الثلاثة، كانت مشاركتها «أرى وأسمع وأتكلّم شراً»، لتشاركها ديوك المنصّات الإعلامية المأجورة، فاستغلّت منابرها أسوأ استغلال؛ كذبت وضلّلت، ولمَ لا، فـ «كلّ ديكّ على مزبلته صيّاح».

 

ومنذ بداية الحرب المسعورة على أرض الشام، التزمت عصابة القرود بتطبيق «القواعد العشر» لـ«بونسومبي»، ولعبت الماكينة الإعلامية دورها التخريبي، وكان الإعلام التابع لها، أو المموَّل منها، أهم أذرعها في «حرب عالمية» بكل ما يعنيه هذا المصطلح من معنى، فقد وظّفت في تلك الحرب جميع أشكال الحرب المعروفة، فبدأت حرباً نفسية أولى مهامها تأليب قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي والمحلي، وجهدت لتحضير بنية مضلّلة مخدوعة –آنياً- تمارس الاصطفاف ما تحت الوطن، وتسعى لإحداث الانقسام في المجتمع السوري، فالإمكانات «عال العال»، والبترودولار فعّال، ومنابع الإعلام وتكنولوجيا المعلومات تحت السيطرة، والعملية الإعلامية ليست إلا نسخاً من المصدر، وقصّاً ولصقاً من الأدوات، والتصدير يلزمه صور سينيمائية وفيديوهات مزيّفة بأحدث التقنيات، وببلاغة إيحاءات، والمبني للمجهول في شريط تعاريفهم الخبري تم استبداله بمعلوم مجهول، والتحوّلات الإعلامية تجاوزت التهميش والتضليل إلى خلق واقع افتراضي وهمي، لأن الانحطاط والارتهان جعلا المؤسسات الإعلامية كيانات لها دور مؤثر وفعال حسب الإملاءات، متجاهلة ميثاق الشرف الإعلامي والمهنية والمصداقية لرسالة الإعلام، هنا كان لابدّ لذلك الإعلام من السقوط الفكري، فالإعلام الكاذب يتكاثر مثل البكتيريا، ويتضاعف «ليبصق» مواقع افتراضية ومدوّنات على الشبكة العنكبوتية، لسان حالها يجاري كبرى المؤسسات الإعلامية المشاركة في الحرب على سورية، وهو مضطر «لكي يخفي خدعة أن يكذب ألف مرّة»، لكن مستنقع الأكاذيب لا تسبح فيه إلا الأسماك الميتة، ومَنْ يجتهد للتحوّل وفق الأيديولوجيا البراغماتية الأمريكية، ويسير في ركابها، لابدّ من أن يجرفه الطوفان.

 

اليوم، وسورية في مرحلة استمرار الحرب العسكرية لتطهير كامل الأرض السورية ومواصلة المسار السياسي، لابدّ من أن تشتدّ معركة عضّ الأصابع من القرود الشريرة أكثر من أي مرحلة أخرى، فانتصار قوى الخير وانكفاء وانهزام قوى الشر والإرهاب أمامها، ولمصلحة مَنْ يدافع عن السيادة والقيم الإنسانية في وجه من يمارس القتل والإرهاب، نتيجة طبيعية، لكنه لن يوقف العدو عن المضي في تحقيق (ميدان إعلامي) يستثمر فيه ماكينته الإعلامية، وكل رخيص يقبل الارتهان بعد أن خسر الحرب في سورية، ولفظه الشارع السوري، الذي استطاع بوعيه وانتمائه الوطني وامتلاكه الحصانة الوطنية والمناعة السياسية إسقاط أهداف الحرب وهزيمة الأعداء.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=58060