وجهات نظر

باختصار : العرب عام 2019

زهير ماجد


الاعلام تايم - الوطن العُمانية


من مضحكات الطبيعة البشرية أنها تهلل كل عام بالطريقة ذاتها لعام جديد هو في أساسه لن يكون جديداً، بل تكملة لما سبق في مشاكله وأزماته وفي البحث عن حلوله وفي حلوله أيضاً.. لكن القصة كلها في العادة والتعود، هكذا شق الأجداد الطريق للاحتفال برأس السنة، وهكذا جرى الآباء، وجاء الأحفاد وستجيء أجيال لا حصر لها لتقدم الطقوس ذاتها.


العرب مساكين، كأنهم طردوا أنفسهم من القيمة المعنوية للاحتفالات.. لكن بحكم أزماتهم يصبح الفرح مشكلة، والضحكة أزمة، ومن قال إن العالم ليس مأزوما، لكنه بحكم ثقافته العميقة يتمرد على احزانه، أما العرب فكونهم "أمة صوتية" كما يقول عبدالله القصيمي، نسوا التغريد وراحوا للغصة الأعمق.. والبحث جار دائماً حول تحليل هذه الظاهرة، هل هم مسؤولون عما هم فيه أم ثمة قوة تفرض عليهم ما وصلوا إليه.


يتبين لنا أن العرب لا يحلمون ولا يتخيلون، الحياة بدون هذين الطقسين تتحول إلى جفاف انساني.. خطورة الأمر أن يكون الإنسان جديا على الدوام، ليس معنى ذلك أن يعيش الهزل فقط، لكن المرونة طاقة انسانية فيها الكثير من البحبوحة الثقافية المتقدمة والمتألقة.


لا شك أن مشاكل العرب بعضها صناعة محلية لها أسسها التي لا يراد لها تصحيح، وفي طليعتها التعايش العربي الذي هو أقل من التوحد، بما يعني الانفتاح على الذوات العربية من أجل التغلب على تلك المشاكل بإمكانيات العرب أنفسهم، وهذا بكل أسف لم يحصل، وهو بالتالي وجه من وجوه المنع الخارجي الذي يحارب كل فكرة تقارب عربي إلا في حدوده الدنيا (سلام وكلام وامنيات فقط)..


كما أن مشكلة العرب ان بعضهم لا يعتقد فقط بل يجزم، بأن بعضا من الأمة له خياراته التي يجب ان يعاقب عليها اذا لم تتماش مع خياراته.. قديما كتب أحدهم واصفاً الأقطار العربية ببستان فيه روائع الألوان التي تشكل لوحة جميلة لا يمكن الاستغناء عن تفاصيلها ومحتوياتها.


دخلنا في العام الجديد القديم في معطياته ومحتواه، الأمل مغروس في النفوس دائما، لكن لا يبدو لنا ان حلقة الأزمات ستفك عن رقاب الأمة بسهولة ويسر.. ما زلنا بحاجة لتفهم طبيعة الصراع القائم في المنطقة العربية، هو صراع ذو بعدين: ذاتي وموضوعي.


الذاتي فصلنا ما يمكن فيه إضافة إلى الضعف العربي والوهن الذي لم يتغير منذ خروج العثمانيين، أما الموضوعي فهو وجود إسرائيل، والأطماع الغربية بممنوعاتها المتعددة، وفيها من التجارب ما يفصح عما نحن فيه.


لا يبدو أن الواقع الذاتي قابل للتغيير لأكثر من سبب لا مجال لذكره، وبالتالي فالموضوعي سيظل قائما.. لكن الطبيعة الانسانية هي في حد ذاتها مركب من صراع ثابت يجدد نفسه حتى لو لم تكن هنالك دوافع خارجية.. كان تولستوي يقول في كتابه “الحرب والسلم” ان الصراع في دم الانسان، فهل إذا استبدلنا الدم بماء يتغير، ويضيف في هكذا حال لايمكن بل هنالك استحالة ان يعيش الانسان.


لنتأمل بهذا العام، خير الظنون الأمل، تعب الزمان ولم نتعب على ما يبدو، تلك هي المعادلة التي تجعلنا أقرب الى صيانة الواقع العربي والانفكاك التدريجي عن أزماته، لكن ماذا نفعل بالصراع الأكبر، بجوهره الذاتي، ثم الخارجي.. العرب هذا العام يكملون الضريبة التي فرضت عليهم، وقبلوها رغم كل ما دفعوا ثمنها من شهداء وخراب ودم وتهجير.


 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=57689