وجهات نظر

دول تسارع الى دمشق... أين لبنان؟

عباس ضاهر


الإعلام تايم-النشرة

 

 

عندما كانت ​سورية​ تمرّ في أوقاتها الصعبة من اعوام 2011 الى 2016، كان ​لبنان​ منقسماً بين موقفين: أحدهما يدعم ثبات دمشق وينتصر لقيادتها السياسيّة المتمثلة بنظام رئيسها بشار الأسد، والثاني يتمنى سقوط النظام، ولا يخفي دعمه للمعارضين السياسيين والمسلّحين، ولا يعترف بوجود ارهابيين.

 

لكن صمود الدولة السوريّة، وعدم قدرة المناوئين لها على السيطرة على الحُكم، واستعادة دمشق زمام المبادرة الميدانية، قلب المعادلات رأساً على عقب، الى حد رصد هرولة عواصم دولية نحو دمشق، طمعاً بالحصول على معلومات حول مجموعات ارهابيّة، أو التنسيق بشأن مكافحة الارهاب. لكن سورية رفضت أي تنسيق من دون مرور الدول بسفاراتها في دمشق. وبالفعل كرّت الدول الراغبة بإعادة فتح السفارات، وكانت تنتظر بعضها البعض.

 

عربيًّا، وصلت العواصم التي خاضت المعارك ضد الأسد الى قناعة أن النظام باق، ولا بدّ من التعايش معه، خصوصا أن التحالف الروسي-السوري أفعل مما كانت تظنّه جميع العواصم الدوليّة. فلم تتخلَّ موسكو عن دمشق، وبرهنت أن الحفاظ على سلام سورية يساوي الحفاظ على موسكو أو بطرسبرغ. فعزّز التدخل الروسي من تلك القناعة المذكورة. لكن بقي الكر والفر في الشمال والشرق السوريين، ميدانياً وسياسياً، محور التفاوض المفتوح-محوره واشنطن وأنقره وأدوار بسيطة للسعودية وقطر.

 

اليوم تقف دمشق أمام خيار التفاضل في التصالح المعروض عليها: محور تركي-قطري، أو سعودي-اماراتي؟.

 

المحوران خاضا حروباً ضد سورية، ووحّدا الصفوف عام 2015 لإسقاط الأسد. لكنهما فشلا بعد مؤازرة روسية شديدة. لكن ميل دمشق نحو الصلح المشروط مع المحور السعودي-الإماراتي، لأسباب عدّة:

 

أولا": قلق دمشق الدائم من الدور التركي، ورغبة أنقره في منع النهضة السورية، بعدما تصدّرت تركيا في المواجهة ضد السوريين اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً وسياسياً. فلو أبقت تركيا حدودها مضبوطة، لما كان استطلع المسلحون السيطرة على أيّ مساحة شمالية حتى الوسط. عدا عن أنّ دمشق تخشى الدور "الإخواني" في لعبة الأتراك.

 

ثانياً: إن الثقل الخليجي تستطيع أن تؤمنه السعودية لسورية، لا قطر التي يتهمها السوريون بدفع الأموال والانقلاب على العلاقة مع الأسد عام 2011.

 

ثالثاً: تأمَنْ دمشق لدور الإمارات العربيّة المتّحدة التي أبقت خطوط التواصل مفتوحة مع سورية، وهي نفسها التي تسعى لتقريب المسافات بين السعوديين والسوريين، رغم أن المشكلة المتبقية الأساسية تكمن بطبيعة الدور الايراني في سورية.

 

رابعاً: يستطيع السوريون ان يكسبوا من خلال لعب دور الى جانب الرياض وابو ظبي، ضمن لعبة المواجهات المفتوحة مع المحور التركي-القطري. للسوريين والسعوديين والإماراتيين مصالح متبادلة ومشتركة فيما بينهم.

 

خامساً: تثق دمشق بالقاهرة التي أبقت صلاتها قائمة مع "النظام السوري"، خصوصاً بعد سقوط حكم الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي. والقاهرة هي حليفة السعوديين والاماراتيين بمواجهة المحور التركي-القطري الداعم لحركة "الاخوان المسلمين".

 

الأهم أيضا، أن العواصم الغربيّة هي التي أبدت انفتاحاً متدرجاً على دمشق، وتستعد لرفع الحظر والعقوبات الاقتصادية عنها.

 

إن تصعيد الأميركيين في شرق سورية، يهدف الى إضعاف ايران ومزاحمة روسيا.

 

كل المؤشرات توحي أن عام 2019 هو عام الحسم لمصير الشرق السوري، استنادا الى القرار الروسي-السوري، لكن موسكو لا تريد مواجهة سورية-تركية في الشمال، وتكتفي بإمساك دمشق بطريقي حماة-حلب وحلب-اللاذقية. وهي ترغب بتجميد وضع الشمال لحين الانتهاء من الشرق، لأنها لا تريد بقاء الوضع الأميركي هناك كما هو، لكنها تتريث في المضي الى مواجهة، قبل كفالة صيغة تجميد الوضع في الشمال، وضمان تحشيد وازن لمعركة الشرق.

 

كل المعطيات توحي بأن سورية تستعد لمرحلة دسمة في الاعمار، وأن بمقدور اللبنانيين أن يلعبوا أدواراً مهمة، استكمالاً لأدوارهم الى جانب دمشق في أيّام الحرب. لكن عدم دعوة سورية الى المؤتمر الاقتصادي في بيروت، يدلّ على أن زمن السمن والعسل قد ولّى بين العاصمتين. وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري رفع الصوت عالياً رفضاً لاستبعاد سورية، وهو كان أبلغ الاتحادات البرلمانية العربية والاسلامية أنه لا يشارك في أيّ مؤتمر لا تتمّ دعوة سورية اليه، فكيف الحال في لبنان؟!.

 

إن صوّت بري يضمن للبنانيين مصالح في سورية اقتصادية وزراعيّة وتجاريّة. فالتصدير الزراعي عبر سورية، وأسواق تصريف إنتاج الموز في سورية، واستجرار الكهرباء من سورية، والعبور البرّي الوحيد الى الخارج عبر الاراضي السوريّة. فأي مصلحة باستبعاد سورية؟!.

 

لذلك، فإن أجواء دمشق لا تبشّر بالخير للبنانيين، كما أوحت تغريدة النائب السوري فارس الشهابي، الذي يردّد في مجالسه كلاماً يعبّر فيه عن "أن الاجواء السوريّة السائدة رسمياً وشعبيا، غاضبة من التصرفات اللبنانية".

 

واذا كان لبنان يخشى عتب أو غضب دول غربيّة وعربيّة جرّاء دعوة دمشق الى مؤتمر بيروت، فإنّ لبنان يستطيع أن يتذرّع بمصالحه في سورية، في حال لم يكن يريد الاشارة الى الهرولة الدولية الى الشام في هذه الأيام

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=57254