نافذة على الصحافة

صفقة تركية فاشلة.. القصة الكاملة لمقتل خاشقجي" ياخائن جاء يوم حسابك"


الإعلام تايم - صحافة


تناقلت مواقع إخبارية التسريباتُ الإعلامية في الصحف التركية كما الأمريكية التي ما انفكت تتحدث في كل مرةٍ عن حصول جهاز الاستخبارات الفلاني على تسجيلاتٍ بالصوت والصورة لما حدث في تلك الغرفةِ الباردة مثل الموت يوم 2 تشرين الاول الماضي.


من استمع لتلك التسجيلات؟ ومن لم يستمع؟
حديث أنقرة عن أنها تمتلك تسجيلاتٍ مهمةً يمكن أن تنهي الجدلَ المثار حول العملية من دون أن تقدمها للرأي العام يطرح أسئلةً عدة، منها، ماذا جاء تحديداً في هذه التسجيلات؟ وهل فعلاً يدين محتواها وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؟ وما هي الدول التي استمعت لها بشكلٍ مؤكدٍ حتى اليوم؟ وهل هدفُ أنقرة هو حقاً البحث عن "الحقيقة" في ما حدث لخاشقجي أم أنها تستخدم ما بحوزتها لمساومة أو ابتزاز السعودية؟

 

ماذا جاء في التسجيلات؟
قد لا يمكننا -حتى الآن على الأقل- معرفة كل ما جاء في التسجيلات بشكل جازم فتركيا لم تعلن عن فحواها رسمياً، لكن بعض التسريباتِ الإعلامية التي تحدثت عن هذه التسجيلات، يمكن أن تعطينا فكرةً عمّا جاء فيها، منها على سبيل المثال ما أعلنته وكالة رويترز يوم 13 تشرين الثاني نقلاً عن مصدرين لم تسمهما لكنها اكتفت بالقول إنهما على درايةٍ بالأمر، واللذين قالا للوكالة إن التسجيلات تشمل عمليةَ القتل نفسها ومحادثاتٍ قبلها، وهو ما جعل أنقرة منذ البداية ترى أن القتلَ كان مدبراً رغم نفي السعودية بادئَ الأمر أيَّ علمٍ لها بذلك.

لكن الأكثر أهميةً هو ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز، يوم 12 تشرين الثاني، حين ذكرت بعضَ تفاصيل فحوى التسجيلات، منها أن العقيد السابق في المخابرات السعودية ماهر عبد العزيز مطرب، أجرى اتصالاً بأحد المسؤولين السعوديين بعد مقتل خاشقجي، وقال له: "أخبر رئيسك أن المهمة انتهت".

 

أضافت الصحيفة الأمريكية أن المكالمةَ التي أجراها مطرب، أحد السعوديين الـ15 الذين قدموا إلى إسطنبول من أجل اغتيال خاشقجي، دارت باللغة العربية، وأن المقصودَ من كلمة "رئيسك" التي ذكرت في التسجيلات، هو وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان.


وبحسب الصحيفة فإن الشخص الذي تحدث معه مطرب، هو أحد مساعدي ولي العهد بن سلمان.


لكن الصحيفةَ أشارت إلى أن اسم محمد بن سلمان لم يرد في التسجيل الصوتي المذكور، صراحة، وهو ما قد يجعل التسجيلاتِ ليست دليلاً قاطعاً على صلة ولي العهد بجريمة الاغتيال.
التسجيلات التي كشفت بعضَ تفاصيلها الصحيفةُ بينت أيضاً أن خاشقجي قد قُتل فورَ دخوله قاعةَ القنصلية السعودية في إسطنبول حيث كان الفريق الأمني في انتظاره، وهو ما يعني أن القتل كان مخططاً له.

 

الأمر الثاني المهم ما ذكره الرئيس التركي نفسه بشأن التسجيلات، ففي يوم 13 تشرين الثاني، نقلت وسائل إعلام تركية عن أردوغان قوله إن التسجيلات "مروعةٌ حقاً" وأنها تسببت في إصابة ضابط في المخابرات السعودية بالصدمة عند استماعه لها. لكن لماذا هي مروعة؟ لم يخبرنا الرئيس التركي أكثر.

 

من استمع للتسجيلات حتى الآن؟
في العاشر من تشرين الثاني قال الرئيس التركي لأول مرة إن بلاده سلّمت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التسجيلاتِ المتعلقة باغتيال الصحافي السعودي، مضيفاً "قدمنا الأشرطة للسعودية والولايات المتحدة والألمان والفرنسيين والبريطانيين، وجميعهم استمعوا لكل المحادثات.. إنهم يعلمون".

 

وكانت رويترز قد أكدت في وقت سابق نقلاً عن مصدرين لم تسمهما أن جينا هاسبل مديرةُ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سمعت تسجيلاً صوتياً بشأن مقتل خاشقجي عندما زارت إسطنبول في تشرين الاول الماضي. كما صرح مصدرٌ مطلع على هذا الموضوع للوكالة بأن مبعوثاً سعودياً رفيع المستوى استمع أيضاً للتسجيل.


لكن لم تصدر بياناتٌ رسميةٌ سواء من الولايات المتحدة أو من السعودية تؤكد أن البلدين استمعا بالفعل للتسجيلات.


وبعد حديث أردوغان بيومين، قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن المخابرات الكندية استمعت للتسجيلات، مضيفاً أنه يبحث مع حلفائه الخطوات التالية التي يتعين اتخاذها.
لكن ترودو أضاف أنه شخصياً لم يستمع لتلك التسجيلات ولا يعرف ما جاء فيها، مؤكداً أن المخابرات الكندية تعمل مع المخابرات التركية في هذه القضية، "وكندا مطلعةٌ تماماً على ما لدى تركيا" بحسب تعبيره.


وفيما يتعلق بألمانيا فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلاً عن مسؤول ألماني بارز لم تُسمِّه أن "جهاز الاستخبارات الفيدرالي الألماني استمع إلى تسجيل خاص بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي خلال زيارة إلى أنقرة"، موضحاً أن التسجيل "كان مُقنعاً للغاية"، بحسب قوله.


أما بريطانيا فلم تؤكد أو تنفي إذا كانت حصلت على التسجيلات، كما لم تنشر الصحف البريطانية تفاصيلَ عن فحواها، لكنها أوفدت أمس مسؤولاً إلى الرياض ( هو وزير الخارجية جيرمي هانت) للاستطلاع عن الموضوع وقبله بساعات أوفدت المبعوثَ الخاص لرئيسة وزراء بريطانيا سايمون ماكدونالد للقاء ولي العهد.
سجال بين فرنسا وتركيا


رغم تأكيد الرئيس التركي أن مخابراتِ بلاده سلمت فرنسا نسخةً من التسجيلات إلا أن فرنسا كذّبت ذلك بشكل رسمي، حين أكد وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لا دوريان أنه على حدّ علمه فإن بلاده لم تحصل على نسخة من تلك التسجيلات.


وعندما سُئل عما إذا كان ذلك يعني أن أردوغان كان يكذب، قال لو دريان "الأمر يعني أنه يلعب لعبةً سياسية في هذه الظروف".

حديث لو دوريان أثار غضبَ أنقرة، حيث خرج فخر الدين ألتون، المدير الإعلامي للرئاسة التركية، قائلاً بلهجة حادة إنه "من غير المقبول أن يتهم الرئيسَ التركي بأنه يلعب لعبة سياسية"، مضيفاً: "دعونا لا ننسى أن هذه القضية كان سيتم التستر عليها دون الجهود التركية الحثيثة".


أما وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، فقد وصف اتهام  نظيره الفرنسي، لأردوغان بالتلاعب السياسي بـ"الوقاحة الكبيرة"، وأشار إلى أن لو دوريان لا يقول الحقيقة بشأن عدم اطلاع فرنسا على التسجيلات الخاصة بمقتل خاشقجي، وتساءل عما إذا كانت باريس تتستر على الجريمة مقابل صفقات مع السعودية، على حد تعبيره.

 

أضاف أوغلو أن لو دوريان "تجاوز حدودَه"، بالاتهامات التي وجهها لأردوغان، وطالبه بتعلم طريقة التعامل مع الرؤساء وعدم الخلط بين الزعماء الفرنسيين والرئيس التركي.

 

وأكد أوغلو أن أنقرة قدمت التسجيلات للاستخبارات الفرنسية في 24 تشرين الاول الماضي، بناء على طلب من باريس.

 

يوم 11 تشرين الاول الماضي، قال مصدر أمريكي مسؤول مطلع على الاستخبارات، في تصريحات لسي إن إن، إن الولايات المتحدة اعترضت اتصالات لمسؤولين سعوديين يناقشون خطةً لإعادة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي إلى المملكة واعتقاله، قبل تنفيذ مخططهم.

 

بعد وقتٍ قليل من زيارة رئيسة جهاز الاستخبارات الأمريكية جينا هاسبل، إلى تركيا في أكتوبر، حيث التقت بنظرائها في أجهزة الاستخبارات التركية، قال البيت الأبيض إن ترامب يدرس الخياراتِ التي يمكن اتخاذُها على خلفية مقتل خاشقجي. على إثرها أعلن مصدرٌ تركي أن أنقرة أطلعت جينا هاسبل على أدلة تثبت أن جريمة اغتيال خاشقجي تمت بأوامر من جهاتٍ عليا في المملكة العربية السعودية. وقال المصدر إن كافة الأدلة المتعلقة بجريمة القتل اطلعت عليها هاسبل مضيفا: "المسؤولة الأمريكية خرجت بقناعة كاملة بعد الأدلة التي عرضت عليها".

 

الثابت اليوم أن أنقرة تُلوِح بشيءٍ تمتلكه، يعرفه قلّةٌ، وتجهله الأغلبية، فهي في كل مرة تُلقي (عن طريق إعلامها) قنبلةً في طريق الإعلام الأجنبي يسارع إلى تلقفها وإعادة تدويرها، في كمٍّ هائل من التقارير، شدّت الرأي العام شرقاً وغرباً.

 

الثابت أيضاً أن أنقرةَ نجحت في خلق ضجةٍ إعلامية دولية بشأن اختفاء خاشقجي، لكن بعد مرور أكثر من شهر على اغتيال الرجل لم تبُح تركيا بالحقيقة. هي أيضاً تراوغ وتستغل الثغراتِ الكثيرةَ في عملية الاغتيال للضغط على الرياض من خلال الإعلام الدولي، الإعلامُ الذي دون أن يشعر صار بدوره جزءاً من اللعبة وابتلع الطعمَ مراراً، لكنه لم يكشف الحقيقة بل يسير في كل مرةٍ خلف "مصدرٍ ما" يقول إنه يمتلك جزءاً من الحقيقة.


يا خائن، جاء يوم حسابك"... بالأمس نشرت وسائلُ إعلامٍ تركية، فحوى مقتطفاتٍ من التسجيلات الصوتية لتعذيب خاشقجي ثم اغتياله.


قناة "خبر تورك" ذكرت أن بحوزة المدعي العام تسجيلين من 4 دقائقَ و7 دقائقَ حصلت على فحوى أجزاءٍ منها. التسجيل الأول يثبت كيف اصطحب أربعُ أشخاصٍ من فريق الاغتيال السعودي خاشقجي إلى القسم "أ" بالقنصلية، وجذبه أحدُهم من يده، فور دخوله القنصلية، فقال له خاشقجي: "اترك ذراعي، ماذا تظنون أنكم فاعلون؟".


أما التسجيل الثاني من 7 دقائق فيه تفاصيلُ النقاش بين فريق القتل وخاشقجي ثم دخولُه إلى غرفةٍ، حيث يُعتَقد أنه التقى ماهر عبد العزيز مطرب، حارسُ محمد بن سلمان الذي قال له: "يا خائن، جاء يوم حسابك". وعندما اعترض خاشقجي على ما تعرّض له، حدث شجارٌ وتعالى صراخٌ قبل أن يتمَّ أخذُ خاشقجي للقسم "ب" بالقنصلية والذي يضمّ المكاتبَ الإدارية.


وبحسب التسجيل الصوتي يتعرض خاشقجي لضربٍ وشتائمَ، ثم يظهر صراخُ خاشقجي وسبعة أشخاصٍ آخرين. ويقول الإعلام التركي الذي حصل على التسجيلات إن الأصواتَ الأربعة الأولى التي ظهرت في التسجيل هي للفريق الذي استقبل خاشقجي على باب القنصلية، بينما الصوتُ الخامس هو لماهر مطرب، المشتبهِ به في أنه قاد فريقَ الإعدام.


ويظهر في التسجيل صوتُ القنصل السعودي محمد العتيبي. بينما الصوت السابع لا يُعرَف صاحبه. وبحسب ما ذكرته وسائلُ الإعلام التركية فالضرب الذي تعرض له خاشقجي في القسم "ب" كان نوعاً من التعذيب.


ويقول الإعلامُ التركي تم تسجيل 19 اتصالاً من داخل القنصلية إلى المملكة العربية السعودية ذلكَ اليوم، وتمت هذه المكالمات من غرفتين هما مكتب القنصل، وقاعة أخرى، وكلاهما تقعان في القسم "ج" من القنصلية.


الإعلام التركي الذي تمكن من الحصول على فحوى التسجيلات يقول إن أربعةً من هذه المكالمات كانت مع مستشار ولي العهد السعودي سعود القحطاني.


ويُرجَّح أن من قام بالاتصالات مع السعودية هو نفسه من قال لخاشقجي"يا خائن…"  وهو صوت ماهر مطرب، الذي تمّ التعرفُ عليه بعد مقارنته بأصوات الفريق السعودي الذي غادر إسطنبول بعد عملية الاغتيال، وتمت مطابقةُ صوته مع تسجيلٍ صوتيٍّ في مطار أتاتورك أثناء مروره بفحص الجوازات.


وحسب الإعلام التركي، فإنه بعد نحو 46 دقيقةً من خروج الفريق السعودي الذي اغتال خاشقجي، غادر القنصلُ السعودي القنصليةَ إلى بيته على متن سيارته الرسمية، حيث مكث في البيت ثلاثةَ أيام كاملةً دون أن يغادره، بعدها فرّ إلى الرياض.


وتُظهر التسجيلاتُ كذلك فترةً من الصمت، تقول خبر تورك "بعد دخول خاشقجي إلى القسم "ب" عمّ الصمت، ثم ظهرت أصواتُ تعذيبٍ شديد" وذكرت أن أولَ مكالمةٍ هاتفية تم سماعُها بالقنصلية كانت بعد 13 دقيقةً من دخول خاشقجي مبنى القنصلية.


مشاجرةُ فريق الاغتيال مع خاشقجي استمرّت ساعةً و50 دقيقةً ثم ظهرت أصواتٌ يرجَّح أنها عمليةُ قتل وتقطيع خاشقجي، استمرت ساعتين حسب ما أوردته خبر تورك. بعدها يرتفع صوتٌ هو للمهندس مصطفى المدني الذي ارتدى ملابس خاشقجي قائلاً: "من المخيف أن أرتديَ ملابسَ رجل قتلناه قبل 20 دقيقة".

 

بعد قتل خاشقجي قال المدني الذي ارتدى ملابس خاشقجي للإيهام إنه غادر القنصلية: "الرجل الذي قتلناه قبل عشرين دقيقة أرتدي ملابسه الآن، هذا شيءٌ تقشعر منه الأبدان" ثم قال للفريق إن حذاء خاشقجي ضيقٌ "لذلك سأرتدي حذائي أنا.. وهذا لا يثير الانتباه". وبعد أن صار جاهزاً، سأل زملاءه في فريق الاغتيال عن مدى مطابقته لخاشقجي، فقالوا له إنه يشبهه تماماً، وأعطوه  تعليمات: أولا: عليك السيرُ في أربعة شوارع، ثم اركب تاكسي واذهب إلى السلطان أحمد، وتخلّصْ من ملابسك، وعُد إلينا لنلتقيَ في القنصلية".


حصولُ الإعلام التركي على هذه التفاصيل لفحوى تسجيلات عملية قتل خاشقجي، وذكرُها بالتدقيق هو أولُ إعلان رسمي عن تمرير هذه الأدلة الصوتية من السلطات في أنقرة إلى الإعلام، وتأتي بعد يومٍ واحد من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه أُبلغ بتفصيل التسجيل الصوتي الذي يوثّق اغتيالَ خاشقجي لكنه "لا يريد الاستماعَ إليه" لأنه "تسجيل معاناةٍ، فظيعٌ وعنيف جداً ووحشيٌّ للغاية" حسب تصريحه الأحد لقناة فوكس نيوز.


وكانت وسائل إعلامٍ أمريكية قد نشرت وبثّت فجر السبت، أن وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه خلُصت إلى أن وليَّ العهد السعودي محمد بن سلمان هو من أمر باغتيال خاشقجي.


وكشفت وسائلُ إعلامٍ أمريكية عدّة من بينها واشنطن بوست ونيويورك تايمز وأسوشيتد برس وقناة إن بي سي عن أشخاص وصفتهم بـ"المطلعين بالأمر" أن سي آي إيه توّصلت إلى استنتاجها بعد تقييم عدةِ مصادر للمخابرات، من بينها اتصالٌ هاتفي مع خاشقجي أجراه الأميرُ خالد بن سلمان، شقيق الأمير محمد، الذي يشغل منصبَ سفير السعودية بواشنطن.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=56528