الإعلام تايم - الميادين
لن يكون ما بعد الحرب السورية كما قبلها.. مُعطى يبدو بديهياً للوهلة الأولى.. وقد يفهم منه تغيير ما يطرأ على الساحة السورية.. لكن الواقع أن الأمر أكبر وأوسع من ذلك.
فهذه الحرب لم تكن سوريّة إلا بقدر ما كانت اقليمية وعالمية.. وعليه فإن حسمها بطريقةٍ ما يعني تحوّلات كبرى على هذه الأصعدة جميعاً.
ما بين العملاقين مجموعة أوروبية منها كتلة كانت اشتراكية وتحوّلت بردّة فعل حادّة إلى الليبرالية المُنبهرة بالأمركة، ومنها كتلة غربية اعتقدت أنها ربحت رهانها ضد الشرق، ولم تدر إنها خسرت رهان الاستقلالية لصالح التبعية الأميركية.
أول الإشكاليات الوجودية التي تقف أمام جميع الأسئلة هي إشكالية الإنتاج، فدولة مُنتجة كالصين تجد نفسها – وهي الاشتراكية – تدافع في دافوس عن العولمة، لأنها وببساطة تحتاج الأسواق التي يؤمنها لمنتجاتها هذا النظام. ودولة مُنتجة كالولايات المتحدة، تتخلّى عن العولمة لأن النتاج الصيني يضرب إنتاجها في عقر أسواقها. كما أن إمكانيات التوطين الآسيوية لصناعاتها تضرب صناعاتها وفرص العمالة لديها. كذلك فإن خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية يفقد خزينتها تدفّقاً كبيراً لعائداتها.
قضية الإنتاج تلتحم بقضية العدالة الاجتماعية، لأن هذه العدالة لا تكون بتوزيع الفقر وإنما بتوزيع الغنى. ولا تستطيع الدولة تأمينها إلا إذا كانت على قدرٍ ما من الثروة المُنتجة. أما الفساد فيحيل إلى قضية سياسية بديهية تكمن في مبدأ تداول السلطة واستقرار آليات المحاسبة واستقلالية القضاء.
وبالتركيز على منطقتنا.. نجد أننا دخلنا مرحلة تصفية الحروب التي بدأت في لبنان وقد تنتهي في اليمن، إذ بدأت إرهاصات حل يمني تلوح مع اتضّاح نهاية الليل السوري. حيث معركة الجنوب في طريقها إلى الحسم ، ومعركة الشمال تبدو قاب قوسين من الإطلاق.
ولا يمكن للمراقب إلا وأن ينتبه إلى أن هذا التدحرج لم يتبلور إلا بعد لقاء بوتين – ترامب. كما أنه قد ترافق مع رفع منسوب الضغط الأميركي على كل من إيران وتركيا ، وبالمقابل ارتفاع منسوب الضغط السلبي الروسي على إسرائيل والمقصود بالضغط السلبي فشل جميع الزيارات المكوكية الإسرائيلية إلى روسيا في تحقيق أي هدف .
تطوّرات إذا ما قرأناها قراءة جيوسياسية، لوجدنا أن منطقة الشرق الأوسط قد تشكّلت تاريخياً من ثلاث بيئات : البيئة التركية (عثمانية أو بيزنطية) ، البيئة الإيرانية ( فارسية أو ساسانية أو إيرانية) والبيئة العربية بمكوّناتها الثلاثة: سورية الطبيعية، وادي النيل والجزيرة العربية.
البيئة العربية بمكوّناتها الثلاثة ضربت: خنقت مصر والسودان سياسياً واقتصادياً وحتى جغرافياً، وضعت الجزيرة العربية وأموالها في العبودية ، أما سورية الطبيعية فدُمّرت كياناً إثر الآخر. بالمقابل ظلّت تركيا تصعد، ولو على دماء العرب وأشلاء بلادهم ، وظّلت إسرائيل تصعد بدعم أميركي أوروبي منقطع، وتمكّنت إيران المُحاصَرة من بلوغ النووي والنانو وجر العالم إلى اتفاق سيفتح أمامها أبواباً أوسع.
كلها باستثناء تركيا بحاجة إلى الإعمار وبحاجة إلى الشركات المتعددة الجنسيات، وبحاجة إلى الدول العملاقة التي حوّلت منافساتها عليها إلى حروب تدمير ذاتي على أرضها. حروب حوّلتها إلى سوق عريض فاغراً فاهه بعد أن فقد، بضرب الإنتاجية، مزوّده المحلي. لن يترك هذا السوق لتركيا كما وعدت نفسها وهي تغذّي الموت والنهب في سورية وتحتل شمالها لتُقايض عليه.
ما يحصل اليوم هو عملية تقليم أظافر للقوى الاقليمية الثلاث بعد أن أصبح العرب بلا أظافر. وإلى أن تنبت لهم جديدة تكون مرحلة إعادة الإعمار قد صبّت في حساب مصالح مَن يمسك نواصي العالم.. فهل يمكن لنا أن نتخيّل أن كل الدمار قد حصل لأجل هذا؟ |
||||||||
|