وجهات نظر

هلسنكي: أهلاً بالصفقات

عبد المنعم علي عيسى


الإعلام تايم- الوطن

 

أوردت صحيفة «الوطن» في عددها الصادر في 3 تموز الجاري نقلاً عن مصدر مقرب من الكرملين خبراً يقول «إن الرئيسين الروسي والأميركي فلاديمير بوتين ودونالد ترامب سوف يناقشان كل الملفات العالقة ما عدا القرم في لقائهما المفترض في هلسنكي يوم السادس عشر من تموز الجاري» ماذا يعني هذا الكلام؟

 

باختصار يعني أن القرار المتخذ يقضي بإبعاد نقاط الخلاف مثل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 والذي تراه أوروبا كشفاً لموسكو عن أنيابها لابد أن يتم التعاطي معه بصلابة لكي لا تتنامى نزعة «القضم» الجغرافية الطاغية في الظاهرة «البوتينية»، والعمل على حل الخلافات الناشئة في الملفات الساخنة الأخرى وصولاً إلى تفاهمات محددة حولها ومن الطبيعي أن تكون الأزمة السورية على رأس هذه الملفات وخصوصاً بعدما تكاثرت علائم النضج التي توحي بالقطاف.

 

من المؤكد أن الوصول إلى تسوية واضحة فيما يخص هذي الأخيرة سيكون محكوماً وإلى درجة كبيرة بما يحمله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معه إلى لقائه بنظيره الأميركي، حيث من المفترض أن لقاء هلسنكي سوف يحدث بعد 24 ساعة من قيام الرئيس الروسي بإعلان اختتام مونديال روسيا 2018 الذي دعا إليه كلاً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الوقت الذي تشير مصادر غربية فيه إلى أن الأميركيين قد أخبروا الروس أنه بالإمكان توسيع التفاهم السوري إقليمياً على أن تتخذ الخارجية الروسية مبادرة لتسهيل لقاءات تفاوضية بين الإسرائيليين والفلسطينيين والراجح أن هذي الطروحات كان قد حملها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي جون بولتون إلى موسكو التي زارها في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وهي تفسر إلى درجة كبيرة تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي أعلن قبيل يومين من مجيء بولتون إلى موسكو أن أميركا لا تستطيع الوصول إلى تسوية سياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحدها أو من دون مشاركة روسيا والاتحاد الأوروبي.

 

تشير التسريبات وآخرها ما أدلى به مصدر غربي إلى صحيفة «الحياة» اللندنية ونشرته يوم الثامن والعشرين من حزيران المنصرم إلى أن واشنطن سوف تفاوض موسكو على انسحاب قواتها، أي القوات الأميركية، من سورية حتى دون ترتيبات معينة تصب في مصلحة هذا الطرف أو ذاك في مقابل انسحاب إيراني تام من سورية، ومشكلة هذا الطرح هي أن واشنطن بالتأكيد قادرة على تنفيذ الشق الخاص بها لإنجاز هذا الاتفاق إلا أن موسكو قد لا تكون كذلك أو على الأقل ليست قادرة بالدرجة الأميركية نفسها، ومن المؤكد أن تصوير العلاقة الروسية الإيرانية على أنها علاقة رئيس بمرؤوس هو تصوير خاطئ، وموسكو لا تملك زمام القرار الإيراني لأن طهران باختصار هي دولة إقليمية كبرى لها مشروعها ولها مصالحها التي تتقاطع حيناً وتتضارب في أحيان أخرى مع هذه الدولة أو تلك، أما ذهاب الروس إلى فرض سحب الفصائل الإيرانية من الداخل السوري فهو أمر تتحسب له موسكو كثيراً قبيل أن تقدم عليه، وربما وصل هذا التحسب إلى درجة تفترض موسكو فيها أن إجبار طهران على فعل كهذا سوف يدفع بها إلى تجميع ما يمكن تجميعه لمواجهة الوجود الروسي في سورية.

 

في الترجيحات فإن النقطة الجوهرية التي ستنطلق واشنطن من خلالها في تعاطيها مع الأزمة السورية في مفاوضات هلسنكي ستكون مقتصرة على ضمان أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي دونما وجود لأي اعتبارات أخرى، تبقى الإشارة إلى أن قبول واشنطن «بتوسيع التفاهم السوري إقليمياً» الذي ورد ذكره آنفاً في ما قالته مصادر غربية، يعني استعداد واشنطن إلى الذهاب إلى أبعد من التسوية السياسية للأزمة السورية والأبعد هنا المساعدة في إعادة سورية إلى الوضع الذي كانت عليه ما قبل احتجاجات آذار 2011.

 

ميدانياً: تبدو المعارضة بشقيها السياسي والعسكري في حال من الارتباك والتخبط لم تكن عليها في يوم من الأيام لكنها تتناسب والوضع الذي تمر فيه، فعودة درعا إلى الحضن السوري هو أمر سيدفع بها إلى خطر الزوال بالمعنى الحرفي للكلمة أو البقاء في تيه الخارج والتفرغ للحديث عن تجارب وأخطاء «الثورة»، والذي سيكون مادة دسمة أولى لوسائل الإعلام والفضائيات في حال تم إسدال الستار على المأساة السورية، وللأمر، أي عودة درعا، أثر يتعدى خسارة آخر موقع يمكن للمعارضة أن تستخدمه ورقة ضاغطة في أي مفاوضات مقبلة، وكذا يتعدى خسارة «المهد الأول للثورة»، والمعارضة تدرك جيداً أن بسط سيطرة الدولة على الجنوب السوري سيفتح الباب واسعاً أمام الصفقات الكبرى التي ستكون هي فيها «تحت الغربال» وليس فوقه، وفي مطلق الأحوال كانت هذي النهايات هي المتوقعة ومن يتابع غرفة عمليات الموك التي أنشأت عام 2014 بإدارة رباعي أميركي سعودي أردني قطري، فسيرى أن فصائل المعارضة كانت أبعد ما تكون عن الفعل العسكري الذي يحقق لها أهدافها أو يعبر عن مشروعها، والكثير من الوثائق التي تكشفت تؤكد أن تلك الفصائل كانت تتلقى أمر عمليات يومي يحوي التوجيهات الكاملة لما يجب فعله وما لا يجب فعله تحت طائلة قطع الإمداد بل عدم دفع رواتب المقاتلين أيضاً.

 

إن نظرة سريعة ومكثفة لما جرى يشي بأن الـ«خارج» الدولي أراد تدمير الدور الإقليمي السوري كعقبة كأداء أمام التحولات المأمولة في الشرق الأوسط، ومعه شطب مرحلة ماضية بكل مناخاتها ومزاج شعوبها وشعاراتها انطلاقاً من استغلال نزعات عدة في الداخل السوري كالانفصالية لدى الأكراد و«السلطوية» لدى جهات أخرى، وعليه فقد أنيط بتلك المعارضة مهمة إفراغ القوة السورية من محتواها تماماً كما فعل أسلافها في أواخر السبعينيات من القرن الماضي رداً على التوهج الذي عاشته دمشق وهو الأول منذ أن كانت عاصمة للدولة الأموية بعد عبور دباباتها بلدة المصنع باتجاه الداخل اللبناني مطلع حزيران 1976 لغرض تثبيت الاستقرار فيه، كانت عملية إشاعة الفوضى خصوصاً في سورية تهدف إلى بروز إسرائيل رمزاً للاستقرار والبحث عن السلام في المنطقة تمهيداً للدور الذي ستضطلع به أو تمنحها إياه «صفقة القرن» التي قالت واشنطن إنها ستعلن عنها في عداد الأيام القليلة المقبلة.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=53238