وجهات نظر

محمد بن سلمان يتقمَّصُ شريف مكة والحجاز!!

د. وفيق إبراهيم


الإعلام تايم-البناء

 

 

 

تتسارع الأحداث السياسية والعسكرية المتفجّرة في ميادين المشرق العربي، بما يوحي أنّ المنطقة مقبلة على تقسيمات سياسية جديدة تتلاءمُ مع تراجع أحادية الهيمنة الأميركية على العالم، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في 1989.

 

أما لماذا التركيز على دور المشرق العربي في هذا التغيير في مواقع القوة العالمية؟ لأنه وبكلّ بساطة، الأضعف من جهة والأقوى من جهة أخرى.. ضعيف بتطوّره الاقتصادي والعسكري والعلمي والسياسي والاجتماعي مع شدّة في التشتت. وهو أيضاً الأقوى لامتلاكه مصادر طاقة لا تنضب، كان «الغرب المنتصر»قد صادرها في ثلاثينيات القرن المنصرم ولا يزال، متجهاً لإعادة وضع يده على كميات هائلة من الغاز المكتشف حديثاً بين إيران وقطر والسواحل المصرية ـ السورية اللبنانية. ويتردّد أنّ العراق والسعودية يحتويان على كميات منه تعادل قيمتها «أموال هارون»… المنطقة إذاً في قلب حركة صراع دامية، يقودها عقل غربي يستخدم جوقة من الكشافة المحليين الممتلكين للنفط، يموّلون مرتزقة من شتى أصقاع الأرض، بالمال والسلاح لقتل عرب آخرين قرّروا أنّ يدافعوا عن مناطقهم التاريخية، بإمكاناتهم المادية المتواضعة والدماء التي لا تنضب.

 

أليس هذا ما يجري في سورية التي استشهد من جيشها فقط نحو مئتي ألف، إلى جانب عدد أكبر من مدنييها؟ ويحدث أيضاً في العراق الذي لا يزال منذ ألف ومئتي عام يخرجُ من دم.. إلى دماء، واليمن السعيد هل لا يزال سعيداً، وهو الذي يرى أحفاداً له من اليمانية القديمة، هاجر أسلافهم منذ بداية الإسلام مستوطنين الجزيرة والمشرق والمغرب.. ها هم يعودون إليه لسفك دماء أجدادهم.

 

ماذا يجري؟ منذ وصول الجيش السوري إلى منطقة البوكمال عند الحدود السورية ـ العراقية وتراجع دور الإرهاب «الإسلاموي»، ابتدأ الأميركيون مباشرة بمحاولات تقسيم سورية.

 

وهكذا فعلوا مع العراق بعد أنّ ألحق جيشه وقواه الحية هزيمة كبيرة بالإرهاب المستند علناً إلى دعم ثلاثي أميركي ـ سعودي ـ تركي، تلاهم إسناد قطري وإماراتي مع بروز حركة إسرائيلية في كردستان لا تُخفى على اللبيب.

 

لقد قاموا بحركتين: تحريض قواه الداخلية على وقع الخلافات المذهبية والعرقية التقليدية، مستفيدين من ارتفاع حدة الصراع الداخلي بسبب الانتخابات النيابية. والثانية هي نشر أكبر كمية من القواعد العسكرية بين العراق وسورية. أما اليمن فوفّروا له أكبر حصة من سفك الدماء الغالية، معتبرين أنّ إسقاط سواحله الغربية، يؤدي مباشرة إلى السيطرة عليه بالكامل.

 

فهل هي مجرد مصادفة تاريخية أم حركة تقمّص ليست غريبة عن تراثنا، أنّ أصحاب الحملة الحالية على المشرق، هم أنفسهم أصحاب الحملة القديمة لاحتلال المنطقة ومنذ مطلع القرن العشرين، أيّ بعد أكثر من قرن ونيّف.. وهم الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون؟

 

إنما مَنْ الذي يؤدّي أدوار شريف مكة والحجاز الحسين بن علي وأولاده عبدالله وفيصل وعلي؟ أيّ دور «الكشافة»الذين يرشدون المستعمِر على مناطق ذوي قرباهم ونسبهم وحسبهم؟ يحملون لهم المشاعل للإنارة على عمالتهم، فيكافئهم المستعمر بما يسقط من فتات من زوايا جيوبه وفمه..

 

إنّ الذي يلعب هذا الدور بحماسة فائقة، معتقداً أنه المنتصر الأكبر ليس إلا محمد بن سلمان ومعه بوقه الجبير وأولاد زايد في الإمارات مع بوقهم الوزير قرقاش.

 

كيف بدأت الرواية التاريخية؟

 

بدأت عندما نجحت المخابرات البريطانية بإقناع شريف مكة الحسين بن علي بضرورة الثورة على العثمانيين مقابل توليته ملكاً على المشرق العربي من دون مصر.. فابتهج الهاشميون، مصدقين رجال مخابرات ماكرين من بينهم الملقب «بلورنس العرب».. وبناء عليه.. جهّزوا قوة من بدو شبه الجزيرة، هاجمت المراكز العثمانية في شبه الجزيرة والعراق وبلاد الشام. وفتحت الطريق للقوات البريطانية الغازية لتحتلّ المنطقة بقليل من الجهد والدماء.. وعقد البريطانيون اتفاقاً ثلاثياً سرياً ضمّ إلى جانبهم الفرنسيين وروسيا القيصرية، جرى فيه تقسيم المنطقة إلى نفوذ بريطاني كبير وهيمنة فرنسية على قسم متواضع، وسيطرة روسية على أنحاء الكرد والأشوريين والسريان وبعض جهات تركيا الحالية.

 

وحدث ما ليس بالحسبان.. وهي الثورة البولشفية في روسيا التي سرعان ما أعلنت انسحابها من الاتفاق الثلاثي وأبلغت الشريف بمضمونه، فاستاء الحسين مستدعياً رجال المخابرات البريطانية الذين أنكروا الاتفاقية، «مقسمين»أمام الشريف بكلّ «الأنبياء والقدّيسين»، على عدم صحتها. صدّقهم الحسين بن علي صاحب النيات الطيبة، مطلقاً بواسطة أولاده حملات عسكرية من بدو يحترفون القتال في متاهات الصحراء. داحرين العثمانيين من المنطقة، وعندما حان وقت التقاسم وجد الحسين بن علي أنّ وعود الإنكليز له وهمية، فحاول الانقلاب عليهم لكنهم اعتقلوه ونفوه إلى قبرص.. ما يؤسَف له أنّ مرافقيه سمعوه وهو يقول: لعن الله الإنكليز.. وظلّ يردّدها مع دموع كانت تتساقط من عينيه كما المطر.. فهل هذا يكفي للعفو عن قيادة أسهمت بتسليم المنطقة من مستعمر عثماني إلى مستعمرَين بريطاني وفرنسي.. هناك إذاً، وكما هو واضح تشابه إلى حدود التماثل بين القيادة الهاشمية في الحرب العالمية الأولى وبين القيادة الحالية من آل سعود و«خليفة الإمارات»من ناحية ثانية.. الطرفان ارتهنا لقوى استعمارية يعملون من أجلها. لكن السعوديين وآل خليفة دخلوا في أعنف كارثة تضرب العالم العربي لتدمّره بشراً وحجراً. وإذا كان الحسين الهاشمي كان يطمح لملك له ولأبنائه، فإنّ السعوديين والإماراتيين يمتلكون دولاً بثرواتها وشعوبها، وهم بخدمتهم للمستعمر المتجدّد، يعملون من أجله من ناحية وللمحافظة على دكتاتورياتهم من ناحية ثانية.

 

لذلك، هناك فارق بين مرحلتي الحرب العالمية الأولى والزلزال المعاصر، ففي الأول كان هناك قتال للاستحصال على ملكية. أما بعد نجاح البريطانيين وورثتهم الأميركيين في حماية ممالك وإمارات الجزيرة وتشكيل أنظمة قبلية فيها.. تحوّل الصراع بين طبقات حاكمة.. والعرب أجمعين. وهذا يعني أنّ غالبية سكان ممالك وإمارات جزيرة العرب المقموعين بالإرهاب الاقتصادي والقمع واستغلال الدين على السمع والطاعة، ومعهم بلاد الشام والعراق واليمن.. إنما هم في خندق واحد في مواجهة طبقات حاكمة تستولي على الاقتصاد بمشاركة حماتها الأميركيين والغربيين والإسرائيليين.

 

هذه هي الأسباب التي سمحت لمحمد بن سلمان بتقمّص أدوار الهاشميين مع تعديل جوهري في نوعية المستفيدين والتموضع الطبيعي للمقهورين.. الذي لا يزال قيد التشكّل بالنسبة للمضلّلين من بين الناس بخرافات الفتن المذهبية.

 

وهكذا فإنّ قطاع التدمير الغربي ـ الخليجي ـ الإسرائيلي، يواصل اجتياح سورية والعراق واليمن وليبيا، عسكرياً والأردن ولبنان، بالفوضى والسياسة، راكناً مصر إلى أن يحين دورها، ومؤسّساً لانقسامات تدميرية جديدة في السودان حالياً. أما المغرب، فبدأت التلفزة الغربية بعرض برامج عن التباين العميق بين العرب والبربر بدءاً من واحة سيدة في مصر إلى جبال المغرب مروراً بتونس وليبيا والجزائر.. ويتحدثون علناً أنّ العرب هم الذين دمّروا الأمازيغ في هذه المنطقة. ويجب بالتالي تحريرها منهم.. ومنْ لا يصدّق فليعد إلى محطة B.B.C التي بثت برامج عدة من هذا النوع في الأسابيع الماضية. هل هي مصادفة؟ لا بالطبع، إنها جزء من مشروع غربي كبير يجزّئ المقسم حسب مقاسات الصراع الدولي المتفاقم وبواسطة «أبناء رغال»من آل سعود وخليفة.

 

وكما أرشد إبن رغال جيش الحبشة إلى موقع مدينة مكة قبل الإسلام.. فإنّ إبن سلمان وحلفاءه يرشدون الأميركيين والإسرائيليين إلى مكة والأقصى والمسجد الحرم وكلّ الحضارات في بلاد الشام والعراق.. فهل مَن ينتبه؟

 

وخلال زيارتها، ستلتقي ميركل مع الجنود الألمان الموجودين في الأردن ضمن قوات التحالف الدولي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=52838