وجهات نظر

قبعات خضراء.. وخوذ بيضاء..!!

علي قاسم


الإعلام تايم - صحيفة الثورة

 

لم يكن التورط الأميركي في دعم العدوان السعودي عبر القبعات الخضراء مفاجئاً، ولا هو خارج أجندات السياسة الأميركية المعتادة، حالها في ذلك حال التورط المقترن بالوثائق والأدلة في دعم الخوذ البيضاء، وما أثارته التسريبات عن توقيف الدعم الأميركي لها.


رغم نفي الأخيرة والجدل المتصاعد حول الشبهة الملازمة للسياسة الأميركية وفضيحة التعاطي مع تنظيمات إرهابية، باعتبار أنها أحد أذرع جبهة النصرة، فيما يأخذ الاتهام طريقه نحو المكاشفة الفعلية للأدوار الأميركية المشبوهة وعلاقتها بكل ما يحلّ في المنطقة من كوارث سابقة وحاضرة ولاحقة.‏

 

بين القبعات الخضراء والخوذ البيضاء فارق واضح وبيِّن، لكنه لا يلغي الحقائق التي تتكشف عن الدور الأميركي، وتحديداً علاقته بدعم التنظيمات الإرهابية، وهو يعيد المشهد برمته إلى المربع الأول في سياق المقاربة الحقيقية لتعاطي أميركا وأصابع أجهزتها السياسية والاستخباراتية في تعزيز دور التنظيمات الإرهابية، والتورط لاحقاً بتبعات الجرائم التي ترتكب غرباً وشرقاً، وسط ارتدادات تقود المنطقة إلى مزيد من العبث السياسي، على وقع سياسة أميركية لم تتردد في استخدام تلك الأجهزة والأدوات والمرتزقة للقيام بدور قذر لا تستطيع الإدارة الأميركية التبرّؤ من تبعاته.‏

 

الخطير أن المقاربة الأميركية في المشهدين تبدو حمّالة أوجه، وتصل إلى حد الجزم بالاستخدام المزدوج للأذرع بصيغ تتعارض حتى مع القانون الأميركي، بينما المساءلة السياسية تبدو أشبه بالمستحيل وسط تلاطم العواصف السياسية المتلاحقة، وتهور سياسي ورعونة في استخدام فائض القوة والبحث عن مجالات توظيفه بشكل غير مسبوق، وخصوصاً أن المسعى الأميركي يعيد خلط الأوراق في المنطقة بصورة متعمدة، غايتها التعمية في نهاية المطاف على الممارسات الأميركية التي تتم من تحت الطاولة، وفي أحيان كثيرة عبر الغرف السوداء المغلقة.‏

 

التفنن الأميركي في استخدام المصطلحات بات يثير الريبة حتى من أقرب الحلفاء، ناهيك عن موقف الخصوم، ولاسيما حين يكتشف العالم لاحقاً حجم الكوارث الناتجة عن استخدام هذه الأذرع، معيداً إلى الذاكرة ما سبقها من تسميات تحت شركات أمنية، منها بلاك ووتر الشهيرة ودورها القذر في تنفيذ المهمات، في إطار ما هو مرسوم أميركياً وتطوراته اللاحقة، حيث التجربة الأميركية انتقلت من الأسماء المشبوهة إلى المصطلحات البراقة والشعاراتية، التي تخفي خلفها كل هذا التوحش في العقل الأميركي ومفرزاته.‏

 

قد لا تكون المعضلة في تلك التسميات هي الأبرز في سياق الهواجس التي تثيرها الممارسات الأميركية، بقدر ما هي في نسق التفكير الذي يُنتج كل هذه الأذرع بمهمات سرعان ما يبطل استخدامها عندما تستنفد المهمات الوظيفية الموكلة إليها، ومن دون أن تتحرج الإدارة الأميركية في الإعلان مسبقاً عن تقديم الرسائل الدامغة على الفشل الذريع والانقلاب على هذه الأذرع، إذا ما اقتضت الضرورة، ولنا في سياق التجربة عشرات الشواهد على تحولات وانقلابات انعطافية في مشهد المقاربة الأميركية.‏

 

والسؤال الذي يتردد صداه في سياق فهم التداعيات.. هل موقف الإدارة الأميركية ينسحب على موقف أدواتها؟.. أم إن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت من أجل بلورته، بحكم أن سرعة الاستجابة لدى الأدوات تتصف بالبطء الشديد، وتدفع أميركا في كثير من الأحيان إلى استخدام لغة الزجر لتلك الأدوات، حيث إن الخوذ البيضاء كذراع لجبهة النصرة الإرهابي نفت أي تغيير في مصادر التمويل، باعتبار أن الممولين الأساسيين لم يصلهم بعد أمر العمليات الأميركية؟!‏

 

الأخطر هو ما يترتب على كل ذلك، حيث الاستثمار الأميركي المزدوج قائم في الحالين، فأميركا تستثمر في إنشاء هذه التنظيمات وفي تمويلها، وتستثمر بالقدر ذاته في حذفها من التداول.. والأدهى أنها تكسب في الحالين، وخصوصاً مع إدارة مفرطة في سياسة المتاجرة، وتمارس أقصى درجات الابتزاز في صفقات البيع والشراء، حيث تعيد ما سبق أن اشترته، ولا تتردد في شراء ما سبق أن باعته، وفي كل جولة لها حساباتها ومعادلاتها، وقواعد الاشتباك التي ترسمها لغة وحيدة هي لغة الأطماع المستشرية، وهي الصيغة المعمول بها مع أصدقائها وحلفائها.. كما هي مع أدواتها، فهي تبيع فيهم وبينهم ومعهم وعلى حسابهم إن اقتضى الأمر.‏

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=51980