وجهات نظر

معركة الغوطة الشرقية تُغيِّر وجه الاقليم

فيصل جلول


الإعلام تايم - الميادين

 

لن يقوى أحد على ضبطِ مفاعيل انتصار المحور الرُباعي في معركةِ الغوطةِ وفي الحربِ على سورية.

 

قد يتأخّر الوقت لتفاعُل هذه الآثار لكنها ستأخذ مكانها الطبيعي في التوقيت والظرف المُلائمين.


بالانتظار يمكننا القول إن معركة الغوطة لا تقلّ شأناً عن المعارك الفاصِلة التي تغيّرت من بعدها دول وأنظمة اقليمية ودولية.

 

يُمكن القول في هذه اللحظات المصيرية إن غوطة دمشق الشرقية هي المُنعَطف الأبرز في الحربِ على سورية.


فيها ربحَ الجيش السوري الحرب التي استهدفت سورية منذ سبع سنوات.


منها خرج أكثر من 40 ألف مسلّح ونصير وقريب ومؤيّد من دون قِتال يُذكَر. وبعدها سيتمتَّع الجيش السوري بقُدراتٍ أكبر على المناورة في قتالِ المسلّحين المُتمركزين في أقصى الجنوب.


ومع انهيارها ستُطوى صفحة الأحياء المسلَّحة المعزولة في اليرموك والقدم وجوبر، وبالتالي سيكون بوسِعِ السوريين التنقّل من دون مخاطر كبيرة من ساحةِ العباسيين إلى منبج في أقصى الشمال السوري ومن العبّاسيين إلى بعضِ أحياء درعا في أقصى الجنوب.

 

ويمكن القول من هذه اللحظات أيضاً، إن الجيش السوري ربحَ الحرب التي ضربت بلاده منذ سبع سنوات.


وستكون الدولة السورية الرابِح الأكبر في عملية السلام التي تلي الحرب، وبالتالي سيتعزَّز المسار السلمي الذي انطلق بعيدأ عن جنيف، في أستانة أولاً وفي سوتشي مؤخّراً.

 

لكن الأبرز في هذه المحطّة يبقى التوتّر الدولي الذي أثارته الولايات المتحدة الأميركية.


فقد اتّهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب السلطات السورية باستخدامِ السلاح الكيماوي في دوما استناداً إلى فيديو وزّعته منظمّة "القبّعات البيض" الموالية لواشنطن، والعامِلة مع المسلّحين في المدينة السورية المُحاصَرة، وفيه مشاهد لأطفالٍ ونساءٍ يعانون من صعوباتٍ في التنفّس وصوَر أخرى لقتلى من أعمارٍ مختلفة.

 

حاولت الإدارة الأميركية الحصول على تغطيةٍ دوليةٍ لتوجيهِ ضربةٍ عسكريةٍ لسوريا إلا أنها اصطدمت بالفيتو الروسي، كما اصطدمت من بعد بتصميم روسي بالردِ على صورايخ قد تُطلقها واشنطن على ىسوريا وصولاً إلى مصادرها، الأمر الذي أثار غضب ترامب مُجدّداً ، فحمّل روسيا والحكومة السورية المسؤولية عن استخدامِ السلاحِ الكيماوي في دوما.


وقد ذهب الرئيس الأميركي إلى حدِ التهديدِ بإلقاء صواريخ " جميلة وذكيّة" على مواقع الروس أنفسهم في سورية ، مُثيراً هلعاً دولياً أشبه إلى حدٍ ما بذلك الذي انتشر على هامشِ أزمةِ خليج الخنازير عام 1961 في كوبا.

 

كائناً ما كان مصير التهديد الأميركي بخاصة، والغربي عموماً بضرب سورية، فإن الغوطة الشرقية لدمشق احتلّت منذ الآن مكانةً تاريخية في العلاقاتِ الدوليةِ لا تقلّ أهميةً عن  خليج الخنازير أو القرم  أو قصف الأطلسي ل " كوسوفو" عام 1999 أو القصف الروسي ل “تبليسي” عاصمة جيورجيا عام 2008 .


وفي كل هذه الأزمات كان العالم يقف على حافّة الهاوية جرّاء تضارُب المصالح وتناقُض الإجراءات الغربية ــــــــــ الروسية.

 


وعلى الرغم من تراجع حدّة التوتّر وعودة الاتصالات الأميركية الروسية إلى سابقِ عهدها في الأجواء السورية لتفادي خطأ عسكري يصعب السكوت عنه، وعلى الرغم من تراجعِ الخطاب الأميركي الحربجي من دون العزوف عن الوعيد بتوجيه ضربة عسكرية، فإن مبدأ الضربة نفسه يطرح أكثر من سؤالٍ ومن علامةِ استفهام.

 

السؤال الأساسي يتّصل بالغرَض السياسي الذي يُضمره الرئيس ترامب من خلالِ الضربةِ المزعومة وتوقيتها.


فهي تأتي بعد هزيمة المسلّحين في الغوطة وانسحابهم، وبالتالي ما عاد بوسعها أن تلعب دوراً في حماية ودعم المنظمات المسلّحة.


من جهة ثانية إن ضربة محدودة على غِرار تلك التي نفّذتها واشنطن العام الفائت بعد مزاعم كيماوي خان شيخون، لا قيمة لها في رسمِ مسارِ الحرب ولا في إعادةِ خلط الأوراق العسكرية، وهي إن تمّت بهذا القدر فقد لا تتعدّى بأهميتها الأثر المعنوي المحدود لواشنطن ولحلفائها.

 

أما في حال اتّساع نطاق وحجم العمل العسكري لاستهدافِ البنيةِ التحتيةِ للجيشِ السوري فإن هذا الأمر سيصطدم بالضرورةِ بحلفاءِ دمشق وسيُشعل الشرق الأوسط ، وسيستدرج واشنطن إلى حرب جديدةٍ لا يريدها ترامب نفسه الذي يخشى نتائج الانتخابات القادمة في نوفمبر ـــ تشرين الثاني القادم ، ولا تتّفق مع مزاج الرأي العام الأميركي الذي لا يُحبّذ الانخراط في حربٍ أخرى باهظةِ الكلفةِ على كلِ صعيد.

 

أما التراجُع عن الضربة فقد يحتاج إلى تنازلاتٍ تُنقذ ماء الوجه أو إلى بديلٍ مماثلٍ للمسار الكوري الشمالي.


وهذا ما لا أثر له في السِجال المُتداول بين موسكو وواشنطن.

 

أكبر الظن أن تعالي اللهجة الغربية المُتشدّدة، والتهديد بشنّ حربٍ بذرائع كيماوية، ربما ينمّ عن رغبةٍ في العودة إلى الأزمةِ السورية وحجزِ مقعدٍ متقدّمٍ على طاولةِ المفاوضات يُتيحُ حمايةَ مصالح حلفاء واشنطن المهزومين عبر تحجيم الآثار السورية والاقليمية والدولية التي ستترتّب على ما بعد معركة الغوطة.

 

إن السياسة الارتجالية التي يعتمدها الرئيس ترامب في هذه القضية كما في قضايا أخرى مُماثلة، لا تُتيح لحلفائه أو لأعدائه على السواء قراءة الأبعاد الماثِلة خلف مواقفه أو المدى الزمني لهذه المواقف أو الرهانات الواضحة التي تقف خلفها. بكلامٍ آخر يمكن الحديث عن احتمالات متساوية في قضية الغوطة تذهب إلى حدِ الامتناع عن العملِ العسكري مُقابل الحصول على ضماناتٍ تُنقذ ماء الوجه أو التوقّف عند حدود ضربةٍ عسكريةٍ محدودةِ الأهمية ، أو حتى الامتناع عن الردِ نهائياً بعد الكشفِ عن تفاصيل فيديو كيماوي الغوطه واختبار صدقه وواقعيّته أو فبركته، وذلك كله بعد أن تُبرهن موسكو وطهران ودمشق أنها لن تسمح بعد انهيار الغوطة الشرقية بأيّ عملٍ عسكري يُعيد النظر بنتائجِ الحربِ و يُلحق أذى خطيراً بمصيرِ الدولةِ السورية.

 

الثابت أن الانتصار السوري الكاسِح في الحرب على بلاد الشام، سيكون له ما بعده في تحديد مستقبل هذا البلد والاقليم بأسره ، وأنه سيُضعِف موقع الدول التي أشعلت الحرب وموّلتها وسلّحت مُقاتليها ، وأن “كيماوي الغوطة” والتهديد الذي تلاه يُرادُ منه الضغط من أجلِ تحجيم هذه الآثار وضبطها في الداخل السوري وحده.

 

لن يقوى أحد على ضبطِ مفاعيل انتصار المحور الرُباعي في معركةِ الغوطةِ وفي الحربِ على سورية.


قد يتأخّر الوقت لتفاعُل هذه الآثار لكنها ستأخذ مكانها الطبيعي في التوقيت والظرف المُلائمين. بالانتظار يمكننا القول إن معركة الغوطة لا تقلّ شأناً عن المعارك الفاصِلة التي تغيّرت من بعدها دول وأنظمة اقليمية ودولية.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=51595