وجهات نظر

"الجنرال الفيلسوف"

نبيه البرجي


الإعلام تايم- الديار

 

هل يمكن لأي دماغ استراتيجي (فذ) أن يفكر هكذا. بيان سعودي رسمي قال أن "تهريب الصواريخ الى الحوثيين لم يبدأ من طهران بل من الضاحية الجنوبية لبيروت، اذ تنقل عبر سوريا الى ايران، ومن ثم ترسل بحراً بواسطة قارب أو سفينة الى اليمن".

نتصور أن أحدهم في لبنان، بأفكاره البهلوانية التي أسهمت في احتجاز الرئيس سعد الحريري، هو من زوّد البلاط بهذه المعلومات، دون أن تدري الرياض أن أفيغدور ليبرمان هو من روّج لهذا الاسكتش الكوميدي، قبل أن يعود عنه لأنه يصدر عن رأس دجاجة لا عن رأس وزير للدفاع.

هؤلاء يعلمون أي معاناة يواجهها "حزب الله" لنقل الصواريخ من ايران، مخترقاً الجهود الهائلة التي تبذلها الاستخبارات الاسرائيلية، ومعها الاستخبارات الأميركية، فضلاً عن أجهزة عربية وأوروبية، لرصد الطرقات المحتملة لإيصال الصواريخ.

الغاية هي تركيز الأضواء (الأضواء الحمراء) على "حزب الله" بعدما بدأ الحديث عن أن الحلقة الفولاذية في الادارة الأميركية قد اكتملت (دونالد ترامب، مايك بومبيو، جون بولتون) لإحياء السيناريو الذي تداعى منذ الأيام الأولى في تموز 2006.

هذه المرة، الاسرائيليون أعدّوا خططاً جهنمية. عمليات انزال على القمم، تدمير ترسانة الجيش اللبناني، الانتشار في مناطق صديقة. هذا غيض من فيض كما يشيعون.

الأبحاث التي تصدر عن معاهد متخصصة في اسرائيل تقول أن "حزب الله" الذي عمل على تفعيل ترسانته الصاروخية (الطاقة التفجيرية الضخمة، الدقة في التوجيه) استفاد الى أبعد الحدود من القتال في سوريا، وحيث اقتحام التحصينات والأنفاق "التي لا تقهر" لينفذ عمليات اقتحام في الجليل. انهم يتحدثون عن الحرب المستحيلة.

الى ذلك، معلومات من الأروقة الديبلوماسية. جهات فاعلة داخل اللوبي اليهودي تدفع في اتجاه المواجهة العسكرية المباشرة بين السعودية وايران، على أن يكون بنيامين نتنياهو جاهزاً للمؤازرة حتى لو استدعى الأمر اللجوء الى الخيار النووي.

هذه، في الأساس، نظرية هيرتسي هاليفي، رئيس شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان الاسرائيلية والذي وصفته "النيويورك تايمز" بـ"الجنرال الفيلسوف".

هاليفي الذي يعتبر أن العمل الاستخباراتي أشبه ما يكون بـ"نبوءة الأنبياء"، يرى أن نظام آيات الله ضرورة تكتيكية للولايات المتحدة. وجود هذا النظام، بحمولته الايديولوجية الثقيلة، وبتطلعاته الجيوبوليتيكية، يتيح لواشنطن التلاعب بالمواقف الخليجية وبالأرصدة الخليجية.

الجنرال الفيلسوف لم يقل ذلك من موقف المعترض. في نظره أن هذه السياسة تجعل المنطقة في حالة دائمة من البلبلة، بل ومن الفوضى، ما يمكّن تل أبيب من الاختراق السياسي والاستخباراتي  لأكثر من بلاط عربي.

هاليفي زار الرياض ليتعرّف عن كثب على الطاقم الجديد في السعودية. خلافاً لرأي السفير الاسرائيلي في واشنطن رون ديرمر الذي طرح التجاوب مع طلب المملكة بأن تضم غرفة العمليات على أرض اليمن ضباطاً ومستشارين اسرائيليين، يعتقد أن الحرب هناك مراقصة القبور، بالنظر للتداخل الدراماتيكي بين التضاريس القبلية والتضاريس المذهبية والتضاريس الطبيعية.

هو من الفريق الذي يرفض المواجهة المباشرة مع ايران. واذ يشدد على أن هدف آيات الله الامساك بالمفاصل المحورية، من مضيق هرمز الى باب المندب، وصولاً الى شاطئ المتوسط، يعتقد أنه كان يفترض بالأمير محمد بن سلمان أن يخوض الحرب مباشرة مع ايران، الحرب المبرمجة، لا أن ينزلق الى المواربة العبثية في اليمن.

في نظره، ان السعودية لن تكون بأمان الا اذا أرغمت ايران، بالترسانة العسكرية البالغة التطور، على الانكفاء، والشعور بأن ثمة قوة ضاربة قد تشكلت على الضفة الأخرى من الخليج.

بطبيعة الحال، هذه دعوة الى المملكة للانتحار على أبواب جهنم اذا ما أخذ بالاعتبار عدم قابلية الجيش السعودي لإدارة عمليات جوية وبحرية على هذا المستوى من التعقيد، فضلاً عن أن الداخل السعودي هو من الهشاشة بحيث لا يستطيع الاستيعاب السيكولوجي للصواريخ البدائية، نسبياً، التي يطلقها الحوثيون.

هاليفي يقول بالمؤازرة من الخلف دون أي اعتبار للعواقب الكارثية للصراع.

حين يكون هناك من يأخذ بتلك النظرية الكاريكاتورية التي تنقل الصواريخ من الضاحية الى ايران، ومنها الى اليمن، لا يعود مستغربا الأخذ بالنصيحة اليهودية والقفز، عراة، في مستنقعات النار...

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=51369