الإعلام تايم - خاص
من يتابع السلوك الأميركي في سورية مؤخرا يجدها تتمسك بأوراق قوة واهية لا تخيف الا السطحيين الذين يصغون الى تهديدها ويجترون تاريخها وبطشها ويتذكرون عداءها للقانون وحقوق الناس.
فأميركا اليوم تغيرت وما كانت تهدد به وترعب الناس تراجع أثره ومفعوله الا عند ضعفاء القلوب والعقول ولهذا نجدها ومن اجل المحافظة على صورة الماضي تلجا الى الاكاذيب والترويج الإعلامي للأوهام وفي هذا السياق تأتي أكذوبة اتهام سورية باستعمال السلاح الكيماوي، الاكذوبة التي باتت تلجا اليها في كل مرة تجد ارهابيها في مازق وتشعر انها بحاجة لإنقاذهم او التدخل لحمايتهم او منع الجيش العربي السوري من تنفيذ عملية عسكرية تكون نتائجها ذات طبيعية استراتيجية جذرية.
إن لجوء اميركا الى الاحتيال والكذب في مواجهة الاخرين يذكرني بالقول المعتمد في فلسفة القانون ونصه “ان القوي يبطش والضعيف يحتال " من اجل بلوغ المآرب وتحقيق الأهداف، القول الذي طبقته اميركا في قوتها حيث اتجهت الى الإطاحة بكل قواعد الاخلاق والدين والقانون معتبرة نفسها صاحب حق في ان تفعل ما يشاء دون ان تخشى محاسبة من أحد وهذا هو حال إسرائيل أيضا ربيبة اميركا.
بيد أن محور المقاومة الذي يشكل نسبة متواضعة جدا جدا من حجم العالم رفض المنطق الأميركي و تصدى له و فرض منطقا معاكسا مفاده ان من يتمسك بحقه و يدافع عنه لا يمكن لاحد ان يسلبه إياه مهما بلغت قدرة المعتدي و كان التطبيق الأول لهذا الامر في جنوب لبنان حيث فرضت المقاومة و محورها معادلة تعاكس الرغبة و الإرادة الأميركية -الإسرائيلية ، ثم تكررت المواجهة في سورية التي و بعد سبع سنوات من القتال المرير أوصلت اميركا التي تقود معسكر العدوان على المنطقة ، اوصلتها الى مرحلة اقل ما يمكن القول فيها انها مرحلة الياس من تحقيق الأهداف .
عندما انطلق العدوان على سورية كان النجاح يقينيا لدى أصحابه، وكان يهزأ بمن يناقش مجرد مناقشة بالأمر، لكن اليوم وبعد السنوات السبع انقلب المشهد وبات يسخر ممن يظن ان بإمكان العدوان ان يسقط سورية كما هدف، او ان يقسم سورية كما تراجع الى الهدف التالي واليوم تصدح في اميركا نفسها أصوات الخبراء والباحثين الاستراتيجيين الذين ينعون المستقبل الأميركي في الشرق الأوسط عامة واستحالة الاستمرار في سورية خاصة.
بات هذا الأمر مسلماً به لدى عميقي النظرة رغم أن خطوطا كثيرة في المشهد السوري تكاد توحي للبعض بان اميركا التي عجزت عن الهيمنة على كامل سورية، شرعت بتنفيذ مشروع الاقتطاع والتقسيم ولأجل ذك نشرت قواعدها العسكرية العشرين ذات السبعة الاف عسكري، شرقي الفرات وفي الجنوب قرب التنف من اجل تهيئة البيئة لاقامة الكيان الكردي الانفصالي ووضعه تحت الحماية الأميركية، فهل ان هذه الخطة قابلة للنجاح وهل ان المشروع الأميركي التقسيمي سيرى النور؟
قد يقول البعض ان فتح معركة الغوطة الشرقية كان مرحلة من مراحل التنفيذ الأميركي لخطة التقسيم عبر اشغال الجيش العربي السوري هناك ومنح التركي فرصة الامساك بالشمال الغربي للبلاد وجعل الأميركي يستأثر بالمنطقة شرقي الفرات، ولكن النتيجة التي ستؤول اليها حرب الغوطة كما بات مؤكدا ستعاكس تماما ما ارادته اميركا. فالغوطة باتت قاب قوسين او أدنى من التحرير الناجز واستعمالها لخدمة التقسيم بات امرا من الماضي.
وقد يقول قائل بان اميركا قادرة على فرض ارادتها وتمرير مشروعها بفائض القوة العسكرية التي تمتلكها، وهنا نرد، لماذا اذن لم تسقط اميركا سورية كما شاءت، اولم تعلن على مدار السنين السبع الماضية ان لا شرعية للرئيس الأسد؟ ثم بقي الأسد في مقامه وخسر المراهنون على سقوطه واليوم يقر العالم كله صراحة او ضمنا بان لا شرعية في سورية تتقدم على شرعية الرئيس الأسد ولا حل في سورية الا بتوقيع الأسد، فما الذي استطاعته اميركا في مواجهة هذه الحقيقة؟
لقد اجتاحت اميركا العالم بأسطورة الهيبة و القوة التي تفعل أي شيء ، و اليوم و بعد ما تحقق في العراق الذي غزته ثم طردت منه ، و بعد الهزيمة الاستراتيجية التي ترسم خطوطها في المشهد السوري نرى ان تلك القوة و تلك الهيبة لم تعد في المستوى و الصورة التي تمنح اميركا القدرة على التحكم بزمام الأمور في العالم ، هذا العالم الذي بعضه تغير ، و بات يتابع تهديدات اميركا و صخبها بأذن و قلب و عقل مختلف و هنا نستطيع ان نقول ان القوة التي كانت اميركا تهدد باستعمالها لإخضاع الاخرين باتت تواجه بقوة لا يستهان بها في اكثر من باب و عنوان و يكفي ان نذكر بما يلي : -القوة النووية التي اعتمدتها اميركا وأكد عليها الأطلسي في المفهوم الاستراتيجي الأخير له بانها السلاح الاستراتيجي الحاسم، ان هذه القوة مقيدة الان وخاضعة لمعادلة الردع الاستراتيجي العام، وقد تطور نطاق تطبيق هذه المعادلة مؤخرا ليشمل ليس الدول التي تملك السلاح النووي فحسب بل والدول المصنفة حلفاء لروسيا على حد ما جاء في الخطاب الاستراتيجي الزلزالي الأخير للرئيس بوتين الذي اعتبر ان أي اعتداء على حلفائه مهما كان نوعه انما هو اعتداء على روسيا يستوجب الرد المناسب و هذا ما بات يشغل الدوائر الأميركية التي تتعاطى بكل جدية و اهتمام مع الموقف الزلزالي الروسي هذا.
ـ القوة العسكرية التقليدية. كانت أميركا مطمئنة إلى أنّ جيوشها التقليدية قادرة على اجتياح أيّ مكان على الكرة الأرضية وفرض سيطرتها عليه، لأنّ أحداً في الدنيا لا يملك جيشاً قادراً على مواجهة الجيش الأميركي خاصه بعد انحلال الاتحاد السوفياتي. أما اليوم وبعد ما شهدته منطقة غرب آسيا من مواجهات في الميدان، فقد بدا واضحاً أنّ الحرب هي حرب الجيل الرابع التي تتفوّق فيها التنظيمات المسلحة غير التقليدية في حرب الغيرة والحرب غير المتشابهة. وأثبتت المقاومة التي ابتكرت أسلوب قتال جديداً انها تستعصي على الاحتواء والسيطرة. ومَن يُرد أن يعرف أكثر فليراجع السلوك الإسرائيلي حيال لبنان ومقاومته. وفضلاً عن ذلك فإنّ آخر ما أفرزته دوائر الأبحاث الأميركية هو التحذير من أيّ اصطدام أميركي بروسيا، ليس نووياً فقط بل أيضاً وأيّ صدام، لأنّ الحرب ليست في مصلحة أميركا التي تعاني في أكثر من باب يلزمها فتحها للدخول في حرب. |
||||||||
|