وجهات نظر

هل هذه هي فرنسا ؟!

نبيه البرجي


الاعلام تايم _ الديار

 ترعرعنا على الثقافة الفرنسية، على التاريخ الفرنسي. مثلما فتننا نابليون بونابرت فتنتنا بريجيت باردو. من ألبير كامو الذي أخذنا الى اللحظة السيزيفية الأكثر التباساً في الشخصية البشرية الى أندريه مالرو الذي دفعنا الى أرقى تجليات الوضع الانساني (la condition humaine).

القائمة طويلة جداً. نعشق تلك الفرنسا. من يتسكع في الشانزليزيه يظن أنه يتسكع في شارع الحمراء في بيروت أو في شارع الحبيب بو رقيبة في تونس. مثلما استضافت الأدمغة الفذة، استضافت ضواحي الصفيح.

كم كان سقوط نيكولا ساركوزي مدوياً حين وصف نزلاء الضواحي بالرعاع!

هذا في الثقافة. السياسة ملطخة. ريجيس دوبريه كتب عن "الرقص في الأدغال".  قال "أن نرقص عراة في الأدغال".

الآن، جان ايف لودريان يحدثنا عن المثل. بلاده ستضرب سورية إن تبين استخدام الكلور في الغوطة الشرقية. يا رجل، ألم يقل لك مستشاروك في "الكي دورسيه" أن تسويق القرن التاسع عشر بات مضحكاً، وأن الأمبراطورية آلت الى الغروب على ضفاف قناة السويس؟

أنت تعلم أن ورقة الكلور ورقة تكتيكـية، وتدفـع، موسمـياً، الـى الضوء لتغطية حلقة من حلقات السيناريو الطويل، والمرير، على الأرض السورية.

قد تكون شاهدت الفيديوات المركبة. لا داعي لذلك. عن بعد آلاف الأميال، وليس فقط من وراء الزجاج، صراخ حول الأدلة الدامغة. حين يتحول الضمير الى فقاعة من الصابون.

القاذفات الفرنسية جاهزة للانطلاق. هل هذا دفاعاً عن سكان الغوطة الذين بين براثن البرابرة، أم تسولاً للصفقات مع الدول إياها التي، بالأصابع الخشبية، الأصابع المحترقة، ما زالت تسعى لتدمير ما تبقى من سورية؟

أخلاق يا رجل؟ لنضع المليون ضحية جانباً. ألم تجر الحكومة الفرنسية تجارب نووية، أجل تجارب نووية، في الصحراء الجزائرية، وهي التي أخفت ما حل بالسكان الذين هناك ؟

أخلاق يارجل؟ أليس غي موليه من أهدى صديقه دافيد بن غوريون مفاعل ديمونا، وساعد "اسرائيل"، بالخبراء والتقنيات، لإنتاج القنبلة الذرية واستخدامها ضد جمال عبد الناصر. هذا اذا أغفلنا دور الميراج في حرب حزيران 1967؟

أخلاق يارجل، وقد عاملتم معمر القذافي، صاحب الشخصية الكاريكاتورية المدججة بمئات مليارات الدولارات، كما لو أنه يوليوس قيصر ينصب خيمته في فناء الاليزيه. فقط من أجل المال. هو الاله الآخر الذي حمل كبار مسؤوليكم الى البلدان الثرية، وحيث أنظمة قطع الرؤوس وقطع الأيدي.

من أعطى الحق للسيد لودريان ليهدد بضرب سورية؟ بلاده هي التي أهدت لواء الاسكندرون الى أنقرة. لا نتصور أنه يرى ما يفعله الأتراك في الشمال السوري،  وكيف يفاخرون بتعداد القتلى. هل يتجرأ أن يوجه كلمة واحدة الى رجب طيب اردوغان؟

الضجيج هنا والتواطؤ هناك. القرن التاسع عشر عاد، ولكن بقناصل من الدرجة الثالثة، وبانهيار مريع في القيم السياسية.

التقارير الاستخباراتية في الكي دورسيه. تفاصيل راعبة عن البنية الايديولوجية لمسلحي الغوطة. هؤلاء يرمون بالرجال والنساء والأطفال من فوق السطوح، ويغتصبون نساء من لا يسير في ركابهم أو من ينتمون الى طوائف أخرى.

هل هم الثوار أيها السيد لودريان؟ دعاة الديمقراطية والعدالة والحداثة...

ليست مهمتنا الدفاع عن "النظام في سورية". ندافع عن الدولة في سورية في مواجهة المغول الجدد الذين تعرف أجهزة استخباراتكم من استجلبهم، ومن استضافهم، ومن موّلهم، ومن فتح حدود سورية أمامهم.

هل قرأت أيها السيد لودريان ما قاله بطل المارن الجنرال هنري غورو حين دخل الى دمشق؟ ضرب ضريح صلاح الدين بحذائه، وقال "ها قد عدنا يا صلاح الدين"،  قبل أن يقتل يوسف العظمة على أبواب ميسلون.

كـان ذاك غـورو، وقـد أعـادته الثـورة السورية الكبرى الى بـلاده. أيـن أنت منه، وقد جعلتكم التبعية للولايات المتحدة حفاة في السياسة، حفاة في الاقتصاد، حفاة في الديبلوماسية؟

لعلك قرأت كتاب جان بول سارتر "الأيدي القذرة". هنا، أيضاً، الضمائر القذرة!!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=50942