تحقيقات وتقارير

في يوم المرأة.. أنقذوا "الطفلات" الأمهات


الإعلام تايم || نسرين ترك

لم تكن تدري "رؤى" شيئاً عن الحياة التي ستعيشها والمعاناة التي تنتظرها عندما قرر والدها قبل سنوات تزويجها، للخلاص من الضغوط الاقتصادية والوضع المادي السيء للعائلة.
كان عمرها حينها اثنتا عشر عاماً.. فتاة صغيرة مقبلة على الحياة ببراءة عندما وجدت نفسها متزوجة من رجل خمسيني، كانت تفضل في نفسها أن تناديه "عمّو" أو "جدّو"!!..


سنوات خمس قضتها الفتاة في معاناة يومية  أنهكت جسدها وروحها واستنزفت طفولتها.. خسرت خلالها  جنينها الأول الذي لم ينجو من آثار الزواج المبكر واختنق في بطن أمه نتيجة القصور الحاد في الدورة الدموية المغذية للجنين، كما تعرضت الطفلة الأم لظهور تشوهات عظمية في حوضها وعمودها الفقري بسبب الحمل المبكر.. فضلاً عن إصابتها بالاكتئاب والقلق والشعور بالخوف من الظلام والغرباء.. رحلة آلام وأخطار صحية  تركت ندوبها على قلبها وجسدها الصغير الهشّ..


ولا تقل الأضرار النفسية التي تعرضت لها الأم القاصر وطفلها عن الأضرار الصحية، كالحرمان العاطفي من حنان الوالدين، ومن عيش مرحلة الطفولة التي يفترض أن تمر بسلام لتكبر الطفلة وتصبح إنسانة سوية واكتمال النضج الذهني فيما يخص اتخاذ القرارات، لتتمكن من تأدية مهامها الأسرية دون مشاكل هي وأطفالها الخاسرين.

فكيف يُحلل الواقع الكارثي الذي تعيشه البلاد والعباد اللجوء إلى جرائم أعظم.. لتصبح الصغيرات زوجات في غفلة من طفولتهنّ.. ومن ثم سيصبحن أمهات، والأخطر الآثار السلبية البالغة من الناحيتين الفيزيولوجية والسيكولوجية التي تترتب على تزويج الطفلات القصر، لتشكل ظاهرة خطيرة، فالفتاة في سن الطفولة لا تملك الإدراك النفسي ولا الصحي أو الاجتماعي بالمسؤولية التي سوف تلقى على عاتقها، كزوجة أولا،ً ومن ثم كأم في هذه المرحلة المبكرة من عمرها. فالطفلة في هذه المرحلة العمرية المبكرة لا تعي حجم المسؤولية، وتحتاج إلى الكثير من التوجيه والنصح في مسار حياتها المستقبلية، كالاهتمام بنموها وصحتها، وهذا يتطلب سنوات حتى تصل الفتاة إلى نضج يمكنها من خلاله تحمل مسؤولية الاهتمام بالحياة الزوجية.


أمهات طفلات
اليوم أصبحت "رؤى" أمّاّ لطفلة صغيرة بعد أن تجاوزت مرحلة الحمل والولادة بمتابعة صحيّة في أحد عيادات الصحة الإنجابية التي يدعمها صندوق الأمم المتحدة للسكان.. في تلك العيادة الكثيرات من أمثال رؤى ممن يترددن إلى عيادات الصحة الإنجابية بشكل دوري..


أواخر شباط الماضي ، أنجبت "جميلة" (17) عاماً، صبياً، قالت جميلة: "أشعر بسعادة وأنا أحمل طفلي، كان بصحة جيدة وحصل على الأدوية والخدمات الطبية اللازمة." حيث تحصل جميلة على رعاية ما بعد الولادة، كما حصل الطفل، على الرعاية المقدمة لحديثي الولادة.
وبعد خروجها من المستشفى، وفر لها فريق طبي يدعمه صندوق الأمم المتحدة للسكان الرعاية لمتابعة حالتها.. قالت جميلة: "لقد عدت إلى منزلي ومازال الفريق الطبي يقوم بزيارتي في المنزل  لمتابعة صحتي وصحة طفلي كذلك."


حصلت جميلة على ولادة آمنة، وباتت تملك وعي حول أساسيات الصحة الإنجابية فدأبت خلال الفترة الماضية على حضور جلسات التثقيف ومتابعة البروشورات وكافة وسائل وأدوات التثقيف الصحي والتي يحرص الصندوق على نشرها  عن طريق وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية..

"من أجل عالم يكون فيه كل حمل مرغوب فيه وكل ولادة آمنة"

حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية ترجح أسباب وفيات الأمهات عالميا إلى النزف الوخيم والإنتانات والاضطرابات التي تؤدي إلى فرط ضغط الدم أثناء فترة الحمل وتعسر الوضع ومضاعفات ما بعد الإجهاض غير المأمون فضلا عن أمراض تزيد خطورة الحمل.


في سورية يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان التشريع والبرامج التي تهدف إلى القضاء على زواج الأطفال، كما يدعم الاستثمارات القائمة على الأدلة التي تركز على الفتيات لتمكينهن من خلال تزويدهن بالمعلومات والمهارات والخدمات التي يحتاجونها ليتمتعن بالصحة ويحصلن على التعليم والأمان، بينما تساعدهن في الانتقال بنجاح إلى مرحلة البلوغ، ويدعم احتياجات الفتيات المتزوجات، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الأسرة وصحة الأم.. رافعاً شعار "العمل من أجل عالم يكون فيه كل حمل مرغوب فيه وكل ولادة آمنة، ويحقق فيه كل شاب وكل شابة إمكاناتهم"..


وتتضمن خدمات الصحة الإنجابية ضمان مستلزمات الأمومة الآمنة وخفض معدلات الوفيات والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا والكشف المبكر عن سرطانات الثدي وعنق الرحم والفحص الطبي والمشورة قبل الزواج وتنظيم الأسرة، وتشمل رعاية الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء في مختلف مراحل حياتهن فضلاً عن توفير خدمات للرجال والأطفال أي الأسرة بكامل أفرادها.
الصندوق يقدم خدماته حالياً للسيدات في عدد من المراكز بالمحافظات منها دمشق وريفها واللاذقية والحسكة والسويداء وحمص والتي توفر الخدمة بالتعاون مع عدة جمعيات أهلية، فضلا عن وجود العديد من الفرق الجوالة لتوفير خدمات الصحة الإنجابية.

"رؤى" واحدة من آلاف الفتيات اللواتي يقعن ضحية انخفاض مستوى الوعي حول حقوق المرأة.. فالطفلة التي كانت تحلم بأن تكون كغيرها من الفتيات المتعلمات والعاملات، حرمتها "السترة" التي أرادها لها والدها في سن مبكرة من طموحات" كثيرة.. وحرمت من طفولتها والاستمتاع بأفضل سنوات العمر دون تحميلها مسؤولية لا تقدر عليها.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=50914