تحقيقات وتقارير

الوجه الآخر للطفولة .. "نورا" طفلة الأحلام المؤودة


الإعلام تايم - نسرين ترك

 

على أطراف دمشق في منطقة سكن عشوائي ذات اكتظاظ سكاني تسكن نورا "18" ربيعاً مع أطفالها الثلاث..


"لم أعد أحتمل".. تعذر على نورا  أن تستطرد، وقد اختنقت بدموعها، وأخذت تبحث عن نفس ضاع مع ضياع طفولتها..


بغصّة تروي ما عاشته من سنوات قاسية بقسوة الحرب وعدد أيامها: "كان عمري حينها 12 عاماً عندما قرر والدي تزويجي بعد أن هجّرتنا الحرب من منزلنا.. لم أكن قادرا على اتخاذ قراراتي الخاص، أمرني والدي بالزواج، ولذا تزوجت ووجدت نفسي بين يدي رجل ستيني يضربني ويجبرني على التسول لتأمين مصروفه" ..


يسري الخوف في وريدها، ويدب القلق في قلبها كلما تذكرت تفاصيل العنف والاستغلال الذي كانت تتعرض له بشكل يومي من قبل زوجها... تتابع :"منذ عام أصيب زوجي بجلطة قلبية أدت إلى شلل كليّ، وأنا من تخدمه اليوم"..
هذه الحال ملخص الحياة البائسة التي عاشتها الفتاة في غفلة من طفولتها.. حيث وجدت نفسها في مواجهة تحديات وأضرار صحّية وجسدية ونفسية لم يقوى جسدها الصغير الهشّ على تحملها..
"نورا" واحدة من آلاف الزيجات التي  توضّب على عجل، غالباً ما تتم بعيداً من الأضواء، أبطالها طفلات في ربيع العمر، ومعقبو معاملات الزواج يعرفون من أين تــؤكل كتف القاضي الشرعي عبر عبارات تُلقّن للفتيات الطفلات المُقبلات على زواج مجهول المصير.



زواج الأطفال قضية عالمية وإحدى الجرائم الإنسانية التي زادت الحرب من معدلاتها، حيث اعتدنا وقعها في زحمة الكوارث الإنسانية التي تشهدها البلاد منذ ثمان سنوات.. لنرى الكثير من قاصرات سورية تحولن بفعل الحرب إلى بضاعة تُباع وتُشترى، في معادلة ﻻ تنتمي ﻻ إلى الإنسانية و ﻻ إلى المنطق بصلة.

 

والسبب الأساسي لتزويج القاصرات لا يقوم عرف أو تقليد فحسب، بل نتيجة الفقر والبؤس الذي يعيشه الكثير من السوريين، ليشكل مأساة للأفراد الذين يشملهم  وغالبا ما يكونون من الفتيات الأكثر استضعافا، والأكثر فقرا، والأكثر تهميشا.. كل هذا يدفع الأب على قبول تزويج القاصرات تحت ضروب من الضغط كالحاجة للمال وللتخلص من عبئهن المالي بالدرجة الأولى، ودافع السترة بالدرجة الثانية، فيبيعونها مقابل زواج سمّي "شرعياً".

 

كيف سيكون مستقبل الفتيات المتزوجات بعمر الطفولة

تتعدد العواقب الاجتماعية والنفسية الناتجة عن زواج الفتيات في سن صغيرة، يهدد زواج الأطفال أرواح وصحة الفتيات، ويقيد آفاق مستقبلهن. وفي كثير من الأحيان تحمل الفتيات اللاتي أجبرن على الزواج وهن لا تزلن مراهقات، مما يزيد خطر تعرضهن لمضاعفات الحمل أو الولادة وتعتبر هذه المضاعفات سبباً رئيسياً فى الوفاة بين المراهقات الأكبر سناً في البلدان النامية. ومن هذه العواقب:


العنف: فالفتيات القاصرات المتزوجات يتعرضن أكثر من غيرهن للعنف من الشريك، سواء من خلال المعاملة اليومية أو الحياة الجنسية التي تعيشها والتي كان من الممكن تجنبها لو تزوجن بسن أكبر.

سلب الحقوق: حيث تحرم الفتيات في هذا السن من فرصة التعليم والعمل، وبسبب الواجبات المنزلية والزوجية فإن تطلعاتها وطموحاتها تصبح بعيدة المنال، وهذا يعتبر انتهاكًا لحقها في الحصول على التعليم ومنعها من اكتساب المهارات المهنية والحياتية

الصحة الجسدية: مخاطر عمليات الحمل والولادة على صحة الفتيات القاصرات، وتبين أن السبب الرئيسي للوفاة بين الفتيات في الفئة العمرية 15 إلى 19 سنة هو مضاعفات الحمل والولادة، وانعدام الوعي الصحي اللازم للاهتمام بصحتهن خلال هذه المرحلة من تكوين الجسم.

كما تتعرض القاصرات لأمراض نفسية وعصبية ويكن أكثر عرضةً للاهتزاز النفسي والأمراض السلوكية، بجانب تهتك في الأعضاء التناسلية، كما أن 60% من وفيات الأطفال نظرًا لصغر سن الأم وجهلها.

 

زواج الطفلات مصدره ثغرات في التشريع
ظاهرة فرضت نفسها على المجتمعات العربية، حيث تنتشر ظاهرة الزواج العرفي غير المسجل، وهناك جزء كبير من هذه الزيجات تعقد على قاصرات، ففي سورية، ونتيجة لفوضى تعيشها البلاد بسبب ظروف الحرب، استغلها سماسرة تزويج القاصرات ليحققوا مكاسبهم، فتضاعف عدد هذه الزيجات  لتتحول إلى مشكلة كبيرة يجب العمل على وضع حد لها، لما ستتركه من آثار كارثية على مستقبل شريحة واسعة في المجتمع.


في سورية يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان التشريع والبرامج التي تهدف إلى القضاء على زواج الأطفال، كما يدعم الاستثمارات القائمة على الأدلة التى تركز على الفتيات لتمكينهن من خلال تزويدهن بالمعلومات والمهارات والخدمات التي يحتاجونها ليتمتعن بالصحة ويحصلن على التعليم والأمان، بينما تساعدهن فى الانتقال بنجاح إلى مرحلة البلوغ، ويدعم احتياجات الفتيات المتزوجات، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الأسرة وصحة الأم.. رافعاً شعار "العمل من أجل عالم يكون فيه كل حمل مرغوبا فيه وكل ولادة آمنة، ويحقق فيه كل شاب وكل شابة إمكاناتهم"..


وتعتبر خدمات الصحة الانجابية أحد أبرز أولويات عمل صندوق إضافة إلى مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ودعم الشباب واليافعين وتمكينهم اقتصاديا واجتماعيا، لضمان مستلزمات الأمومة الآمنة وخفض معدلات الوفيات والمراضة للولدان والأمهات والوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا والكشف المبكر عن سرطانات الثدي وعنق الرحم والفحص الطبي والمشورة قبل الزواج وتنظيم الأسرة.


حيث تشمل الصحة الانجابية رعاية الجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية للنساء في مختلف مراحل حياتهن فضلا عن توفير خدمات للرجال والأطفال أي الأسرة بكامل أفرادها.


يوماً تلو آخر تحاول نورا ترميم جراحها.. وتثابر على حضور جلسات التوعية والحصول على دعم نفسي وصحي، كما تحصل على مردود مادّي من خلال عملها بالأشغال اليدوية في إحدى الجمعيات بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان، وتقول:  كنت مجبرة على التسول أمّا اليوم فأنا أعمل لأطعم أطفالي وأنا فخورة بنفسي وبعملي".

 


 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=50748