وجهات نظر

الحريري و... "حزب الله"

نبيه البرجي


الإعلام تايم- الديار

 

لو كانت هذه اللحظة، لحظة الحقيقة العارية، والصارخة، لا لحظة الانتخابات، بكل غرائزيتها، وبكل صخبها، وبكل ديناميات الاثارة، لأعلن الرئيس سعد الحريري، وهو يتوجه الى الذين طعنوه في الصدر وفي الظهر، الامتنان لـ"حزب الله".

الحزب الذي لاحظ منذ الساعة الأولى أن بيان الاستقالة كان بمثابة البلاغ رقم واحد لازاحة رئيس الحكومة، بل لإزالته، من المشهد السياسي، بعدما كان قطب حزبي قد قال لمعاونيه ان الشيخ سعد انتهى الى الأبد وأن رجلاً آخر سيحل محله في بيت الوسط.

الكلام كان في اطار السيناريو الذي تم اعداد جزء منه في لبنان، وبتواطؤ مع شخصيات لم يؤمن بها رفيق الحريري يوماً، ولا هي آمنت به.

مثلما يعرف الرئيس الحريري كل شيء، يعرف "حزب الله" كل شيء. أكـثر من ذلك كان الحزب يتوجس من خلفيات اللقاءات التي كان يعقدها الوزير ثامر السبهان (وما أدراك ما السبهان عراقياً وسورياً) مع جهات لبنانية لا مجال لإخفاء توجهاتها الايديولوجية والاستراتيجية على السواء.

"حزب الله" كان يتوقع شيئاً ما لزعزعة الستاتيكو. بالتالي شق الطـريق أمام اسرائيل للتدخل بكل الوسائل ما دام الحزب قد وجد نفسه داخل الانفجار.

وحين ظهر رئيس الحكومة على شاشة "العربية"، بتلك اللغة الفظة التي لا تتسق مع شخصيته الدمثة، ولا مع واقع الحال، ولا مع مقتضيات الاستقرار، أدرك الحزب أن المعطيات التي كانت ترده حول لقاءات الوزير السبهان كانت دقيقة، وأن توقعاته لنتائج اللقاءات كانت في محلها.

لا بأس أن يتوجه رئيس تيار المستقل الى جمهوره الذي سهر الليالي لتعبئته وللمشاركة في الذكرى، بتلك العبارات التي وردت في كلمته حول عدم التعـاون انتخابياً مع "حزب الله". كان واضحاً انها أتت من خارج السياق للمزايدة على ما يتفوه به الوزيـر أشـرف ريفي والنائب خالد الضاهر، فضلاً عن اولئك الذين باتوا يعرفون بقهرمانات البلاط ان لم يكونوا قهرمانات الهيكل.

عادة، يستخدم تعبير "شد العصب". التعبير الأكثر دقة، والأكثر واقعية، هو برمجة الغرائز. قلّما يدخل العقل في ادارة السياسات، أو في ادارة الجماهير، وقد تدرجنا، نزولاً، من فديرالية الطوائف الى فيدرالية المذاهب.

الرئيس سعد الحريري لن يتعاون انتخابياً مع "حزب الله". نتساءل، بكل ما أوتينا من سذاجة، أين تعاون تيار المستقبل مع الحزب في انتخابات2009  لكي يتعاون معه عام 2018؟  هل حدث هذا في زحلة، أم في البقاع الغربي، أم في بيروت؟؟

لا تعاون في الانتخابات، ولكن مع شراكة في السلطة التنفيذية تحت قبة مجلس الوزراء، وان جرى اعتماد ذلك المصطلح الخالي من أي معنى "ربط النزاع"، ناهيك عن  جلسات الحوار، وكانت بالعشرات من أجل اشاعة مناخ سيكولوجي يحول دون الاحتكاك أو دون الصدام المذهبي. الآن ربط النزاع مع الحزب أم مع البلاط؟!

رئيس الحكومة يدرك تماماً أي دور اضطلع به "حزب الله"، وبالتنسيق المباشر والكثيف مع الرئيس ميشال عون، ما أدى الى انهيار دراماتيكي للسيناريو، حتى باتت المسـألة تنحـصر في حفظ ماء وجه الذين راهـنوا على انقلاب جهنمي في الساحة اللبنانية.

ما يعنينا أيضاً ما قاله الرئيس الحريري لأولئك الذين يقتاتون من الفتات، حتى ليتردد أن بهاء الحريري نفسه أدار لهم ظهره. السؤال... هل لقيت كلمات رئيس الحكومة عن «حزب الله» الصدى خارج الحدود؟

لا قرار بتسونامي مالي يمكن أن يزعزع زعامة الرئيس الحريري. وما دمنا في هذا الجو الطائفي المريع، واللامنطقي، واللاتاريخي، فان أهل البلاط يدركون أن الطائفة السنية تجد في رئيس الحكومة مواصفات الزعامة للطائفة.

استطراداً، لامجال أمام أولئك الذين يتكئون على أصحاب اللحى الطويلة، والاسنان الطويلة، والسكاكين الطويلة، لإزاحة الرجل عن الكرسي الذهبي.

قال ما قاله، وهو يعلم أي دور لـ"حزب الله" في تكريس المعادلة الراهنة. لا تذهب الى أكثر مما ذهبت اليه يا دولة الرئيس...

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=50554