وجهات نظر

الأمية الثقافية والرقمية

د.مصطفى عبد الغنى


الإعلام تايم- الأهرام

 

حين نحاول رصد أهم الأخطار التي تواجهنا في الفترة الأخيرة وفى عام جديد؛ فسوف تقفز أمامنا قضية الأمية؛ والأمية هنا ليست الأمية الهجائية كما يطرأ على الذهن، وإنما هي هذه الثقافة القابعة المتمددة في عقول الكثير من متعلمينا ومثقفينا ، فليس هؤلاء- المتعلمون والمثقفون من اصحاب الامية الهجائية.

 

فعلى الرغم من أن الأمية الهجائية تمتد لتحتل مساحات شاسعة من العقل العربي (تزيد على 40%) فان الأمية الثقافية تمتد في مساحات أكثر شراسة وأشرس وضعاً في العقل العربي المعاصر إلى مسافات بعيدة، إنهم أصحاب الأمية الثقافية التي ابتلى بها الكثير من متعلمينا ومثقفينا، فضلاً عن العديد ممن ينتمون الى أفكار(داعش) مدعين الفهم الأخير.. هؤلاء الذين ينتشرون بيننا.. نجد هؤلاء في مدارسنا ومراكزنا الاعلامية والثقافية بالقدر الذى نجده في (الاسلاموفوبيا) لدى العديد من المدعين.

 

ولا نحتاج الى نظرة عامة في وسائل الاعلام لنلاحظ أن الخطر التقليدي كما نعرفه يتضاءل الى جانب هذا الخطر الآخر؛ الخطر الذى لا نعرفه الذى يمتد في المساحة الشاسعة في العقل العربي الى حد بعيد. ولا نحتاج الخروج الجغرافي من هذا البلد أو ذك في الشرق حتى نلاحظ أن هذا الخطر-الأمية الثقافية تمتد في الشرق الأوسط من ايران شرقا الى موريتانيا غربا، ومن عدن جنوبا إلى اسطنبول شمالاً حتى نلتقى هنا وهناك بأصحاب هذه العقول الرمادية، ليس بين الأميين فقط أو حتى المتعلمين، وإنما الى هذه الجماعات الأصولية التي تنتمى الى التخلف أكثر منها الى الوعى بطبيعة العصر وآلاته، وتمتد المساحات الشاسعة البعيدة من الجغرافيا الى الغياب الفكري من الطائفية الى العرقية، وبدلاً من أن نتنبه ونعمل على قضايا المعاصرة والوعى مع ايقاع الألفية الثالثة اذا بنا نغيب بين العرب والأكراد والإيزيديين والسريان والتركمان الى آخر هذه الفئات التي نعثر عليها في ظلال داعش على سبيل المثال المحزن والمؤلم.. وعلى مدى البصر نخرج من الجغرافيا والتاريخ الى ما يمكن أن نعرف عبر الميديا الاجتماعية حيث يعاود الخط البياني حركته المهيمنة في صعود متواتر الى الدوائر البعيدة في الجغرافيا العربية. والأمثلة ونظائرها هنا تتمدد بيننا كثيراً مثقفين أقصد بين المدعين والداعشيين.

 

نجد هذا بين الافتراضيين أو الفضائيين (الانترنتيين) الذين ينتشرون كالفطر على صفحة حياتنا. الخط البياني لدرجة الوعي بين مثقفينا في هبوط متوال في الميديا الاجتماعية خاصة في هذه الحسابات الشخصية التي يمكن العثور عليها عبر صفحات التواصل الاجتماعي حيث نعثر في شبكات الاعلام الاجتماعي ملايين الاصوات على الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام.. الخ وقد غابوا في أغلبهم في حوارات وهمية وقضايا عامة.

 

لقد أصبحت هذه الوسائل بعد أن لعبت دوراً إيجابياً هائلا في قيام ثورتي 25يناير 30 يونيو تهتم بأشياء اخرى لم يعرفها الشباب الواعي المستنير الذى قام بهذه الثورات، فاذا عبرنا من وسائل ثورة التقنية المتقدمة والروبوتات الآلية وفضاءات هذا العالم الافتراضي والثورة الرقمية.. إلى غير ذلك لوصلنا الى فضاء معاصر آخر، راح يستبدل بالخطاب الافتراضي أو الفضائي الايجابي عالما مغايرا يشغل بقضايا وهمية ليس لها مكان في الواقع العربي المعاصر الذى يشهد ضغوطا عاتية من الداخل والخارج في آن واحد.

 

يتمثل هذا التجاوز في تجاوز الوعي الجمعي إلى الانشغال عبر حسابات شخصية وصفحات التواصل التي لا تغادر القضايا الشخصية والمهاترات الموجعة، لقد تغيرت الاهتمامات بالهوية الرقمية وويلاتها في الالفية الثالثة الى نقل هذا الخبر أو ذاك مما لا يرتبط بالعقل الجمعي، ولا ما تواجهه الأمة في زمن التحديات، والنظرة العامة على مساحة الميديا الاجتماعية العربية اليوم يرينا انشغال اصحابها بالحسابات الشخصية والأفكار الغائمة التي تؤكد غياب الوعي العربي في عالم تشغله أخطار عنيفة في الداخل والخارج. إننا على شبكات التوصل الاجتماعي اليوم أمام عبارات عامة تتبعا لايك وشير بشكل مستمر، حتى أنه يمكن القول أن الأمية الرقمية وصلت الى اقصاها.

 

لقد استبدلنا المثقف الواعي بآخر يمارس هوايته الرمادية عبر التغريد والتتويت والهاشتاج وكأن بلادنا لا يهددها الخطر الداخلي المخيف والخطر الغربي الامبريالي العنيف، لقد تحول شبابنا من الافتراضيين الإيجابيين الى الأميين؛ أميين يصيحون ويرددون هذه الألفاظ العنيفة ويغيب بعضهم في موسيقى الراب الصاخبة التي تعلو حتى يغيب عن الصورة أي وعي ايجابي يدفع إليه الواقع العربي الخطر في الألفية الثالثة.. وفي عام جديد.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=50161