وجهات نظر

باختصار : الحرب " النظيفة " !

زهير ماجد


الإعلام تايم-الوطن العمانية

 

لفت نظري جملة لا محل لها في التاريخ البشري قائلها معلق تركي تقول بأن الحرب التركية على عفرين " نظيفة " (!) .. ظل المعلق على حديثه، وزاد في الدفاع عن فكرته، وفيما احمر وجهي خجلاً من التاريخ، تراه بات مقتنعا بأن قولته صحيحة وسليمة، طالما أن مرتكبها زعيم تركي.

 

كلمة حرب تؤدي إلى رجفان في القلب وهلع في الأعصاب، فكيف حين تقع. الحرب العالمية الأولى تجاوزت الخمسة وعشرين مليون قتيل، والحرب العالمية الثانية سقط في الاتحاد السوفياتي لوحده كما قال الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو سبعة وعشرين مليون قتيل، ناهيك عن قتلى بقية الأمم وخصوصاً الألمان. أما الخراب الذي وقع في كلتا الحربين فحدث ولا حرج، وكذلك التشريد إضافة إلى القلق الذي سيبقى مصاحباً للعقل الإنساني لأجيال.

 

لكل دولة نظرياتها في مفهوم الحروب، لكن الكل يتفق على عناصرها، ولعل أبرزها المفهوم الصهيوني الذي تكرر في فلسطين وأدى إلى تلك الفوضى في رحيل الفلسطينيين، وهو الصدمة والرعب .. ودائماً استعملها الجيش الصهيوني في حروبه مع العرب، بعد إضافة مبدأ المفاجأة .. ومن المؤسف القول بمفهوم المفاجأة، لأن الجيوش العملاقة المدربة القادرة لا تعنيها المفاجآت ولا تدخل في حساباتها، وإذا ما تفاجأت، فهي تستوعب الصدمة لتعيد إنتاج قدرتها على تغيير مسار المعركة.

 

في المعارك الدائرة حول عفرين، تم تحديد القتلى من كل الأطراف، لكن الذين دفعوا الثمن غالياً هم الشعب القاطن في المدينة وفي أريافها .. ولا أعتقد أن ما ستسفر عنه تلك الحرب المؤدلجة بدقة صانعيها، إنها ستنتهي بدون كوارث إنسانية، وهاك الدليل في شتى المدن والأرياف السورية والعراقية والليبية واليمنية … لو قيض لساكنيها الكلام المباح لتحدثوا عن معجزة بقائهم أحياء في الوقت الذي تم تدمير كل شيء كما هو حال الرقة مثلاً، إضافة إلى الإنسان الذي تاهت به السبل فظل ينتظر الأمل، ولا أمل في الحرب إطلاقاً، وخصوصاً عندما يكون لها هدف، وكل الحروب لها هدف مهما كان نوعها.

 

كيف تكون إذن الحرب نظيفة ومعظم من خططوا لها أصيبوا بلوثة عقلية وانتهى معظمهم في المصحات .. مثلا أولئك الذين رموا القنبلة الذرية على هيروشيما بعضهم انتحر وبعضهم أصيب بالجنون لما رأوا من فظائع أصابت الجنس البشري الياباني. ورغم العقل الصهيوني الذي يجد متعة في قتل العربي وخصوصاً الفلسطيني، فإن معظم قادة اسرائيل الذين شنوا حروباً على العرب انتهوا إلى أزمات عقلية وفي طليعتهم مناحيم بيغن صاحب الأفكار التخريبية وهو أبرز من وقع على حرب اجتياح لبنان عام 1982، اضافة إلى شامير وجولدا مائير وموشي دايان وغيرهم.

 

لا حرب نظيفة، ما كانت ولن تكون، لكنها الحرب دائما، هي الأساس في عقل الإنسان ، كما كان يكرر المفكر العثماني عزمي مورهلي، بل ويزيد بأن الكراهية هي الأصل والحب طارىء، وأن تاريخ البشرية هو تاريخ الحروب والموت والهروب والجوع، وكما قال تولستوي إن الصراع في دم الإنسان وعندما لا يمكن تغيير الدم فمعنى ذلك استمرار تلك اللعبة البشرية إلى ما لانهاية.

 

بعض النظريات تقول إن هتلر لم يخترع حرباً كبرى، الحرب في دمه، وهو ترجمها، وفي سنوات انتصاراته كان الشعب الألماني إلى جانبه، وحين بدأت هزائمه انقلب عليه كثيرون.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=50156