وجهات نظر

ثورة الكعب العالي

نبيه البرجي


الإعلام تايم- الديار

 

 

هذه طبقة سياسية لا تنتج نفسها فحسب .انها تتقيأ نفسها...

في الدول البائسة، يحكى عن الأوليغارشيا الحاكمة. عندنا أوليغارشيات طائفية، قبلية. غابة من الببغاءات. باحث قانوني لبناني مقيم في باريس قال لنا لدى الساسة الفرنسيين الأكثر قابلية للثرثرة، لا يتعدى الكلام اليومي المليون كلمة. عندنا يتجاوز المليار.

لوثة الكلام، والتلوث بالكلام الذي يضيق به ذرعاً الهواء. أي معنى ينطوي عليه الكلام ما دامت الدولة ساقطة سياسياً، ومالياً، وأخلاقياً (استراتيجياً بطبيعة الحال). كم من مهرج يحاول ,على الشاشات، أن يظهر بشاربي أبي زيد الهلالي؟

اللبنانيون الأكثر استهلاكاً لحبوب الأعصاب في العالم. اذا بقيت الأمور على ايقاعها الراهن، وهي تتفاقم، هل تكفي حبوب الهلوسة التي قد تباع ذات يوم على عربات الخضار؟

ديبلوماسيون أجانب يتندرون بأنهم يبعثون بتقارير عن برامج "التوك شو". عبارات ساخرة عن اولئك السياسيين الذين يقلدون ميريام كلينك التي قد يكون لديها شيء ما، بل أشياء، للغواية. لا شيء لدى نجوم التوك شو سوى الاجترار، والمراوغة، في اللغة وفي السياسة.

في آخر المطاف، لا مناص من الغثيان. زرافات ووحدانا نذهب الى صناديق الاقتراع  لنختار من يمتطي ظهورنا . الذين يحلمون بلبنان الآخر، اذا ما تجاوزنا الظواهر العبثية، ومحاولة الظهور حيناً بمظهر غيفارا وحيناً بمظهر ترافولتا، قد لا يجدون موطىء قدم بين نجوم ساحة النجمة.

حين زار الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي بيروت، لم يتحدث عن ثورة الأقحوان، ولا عن ثورة البنفسج، بل عن ثورة أحمر الشفاه أو ثورة الكعب العالي . لاحظوا خفة ظل سياسيينا حين يظهرون في برامج الترفيه .لماذا لا يبقون هناك ؟ هز البطن أقل وطأة من هز الرأس.

أين أصحاب السعادة السفراء في دول العالم الذين لا بد أن تتناهى اليهم الأحاديث حول الساعة الاغريقية التي تنتظر لبنان ما دام الدين العام، اذا ما أفرج عن كل المستندات، يناهز المائة مليار دولار؟

هل صحيح أن كوندوليزا رايس قالت لإعلامية لبنانية، من فريق "معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى"، المرتبط عضوياً باللوبي اليهودي "في لحظة ما، قد يتم تفجير ملف الدين العام ليغدو لبنان على حافة الهاوية؟ حينذاك، لا تعود تجدي صواريخ "حزب الله" ولا المحور الذي يمتد من خراسان الى جنوب لبنان".

ما يجدي، الذهاب سيراً على الأقدام الى أورشليم، والتفاهم حول كل شيء . من يحكم لبنان وكيف، ومن يستثمر النفط والغاز وكيف..

المعهد اياه، كما معاهد أخرى، وتعرف تبعيتها لوكالة الاستخبارات المركزية، تنشط في هذه الأيام لاستقطاب كمية اضافية من الاعلاميين اللبنانيين الذين يحترفون اللعب بالرؤوس. هذا مؤشر على ماذا ؟

لا أحد سأل كريستين لاغارد عن ذلك التقرير الذي وضعته مجموعة خبراء من صندوق النقد الدولي، وهو يحتوي على مقارنات مثيرة حول حجم الديون في دول العالم، آخذة بالاعتبار كل الجوانب الديموغرافية، والجغرافية، اضافة الى الموارد الطبيعية في هذه الدول .

نأخذ مثالاً، للّهو الأسود، الدين العام في الولايات المتحدة 19 تريليون دولار بناتج محلي سنوي يتعدى الـ 17 تريليون دولار، مع ما تعنيه الامبراطورية الأميركية . أما الدين العام في لبنان فهو يناهز، واقعاً، المائة مليار دولار بناتج محلي قدره خمسون مليار دولار .

 

في ربيع عام 2008، كتب جوزف ستيغليتز، الأميركي الحائز نوبل في الاقتصاد، عن شلالات الدولارات (3 تريليونات دولار) تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق . تنبأ بالزلزال المالي الذي حصل في خريف ذلك العام . وكان على باراك اوباما أن يمد البنوك (المقدسة) في بلاده بنحو أربعة تريليونات دولار لتستعيد توازنها، ولا يصيب نيويورك ما أصاب ارم ذات العماد.

ماذا حين يقال ان لبنان يقف (الى اشعار آخر) على ساقي فلانة وفلانة من فنانات آخر زمان، لا على أدمغة الغارقين في الجدل السيزيفي حول الدستور . هل هو ذكر أم أنثى؟

لا يكفي أن يصف محمود عباس صفقة القرن بصفعة القرن (من أين أتته هذه البداهة اللغوية؟) . من زمان، والحديث يتردد عن أن الدين العام سيستخدم يوماً ما ليس فقط لإقصاء لبنان عما تبقى من الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وانما لإعادة بناء الهيكل بخشب الأرز.

حتى أشجار الأرز تكاد تكبو . الساسة لا يرف لهم جفن...

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=50078