وجهات نظر

موت الغضب

نبيه البرجي


الإعلام تايم -الديار

 

لكأنها قهقهات تيودور هرتزل. لكأنها ضربات يوشع بن نون بالعصا على ظهورنا. الفيلسوف الفرنسي (اليهودي) آلان فينكيلكروت قال "هؤلاء الذين هددوا بالقاء اسرائيل في البحر، ألقوا بسوريا، والعراق، واليمن، في الجحيم".

ذات يوم، نشر مقالة درامية حول اصابة طفل اسرائيلي بخدش في عنقه جراء شظية من صاروخ فلسطيني. زميل في باريس أمّن لنا الاتصال به لنسأل أين كان ضميره (الفلسفي على الأقل) حين سجّي 400 طفل في غزة قضوا بالقنابل الفوسفورية؟

كان رده كاريكاتورياً، وبعيداً "هناك بين العرب من هو مصاب باللوثة الهتلرية، ويريد أن يعيد، وهو ينتشي بصوت مطربتكم الشهيرة أم كلثوم، الهولوكوست على أرض الميعاد".

كما لو أن الله ليس موجوداً، بالدرجة الأولى، في الكائن البشري، بل في جدار المسجد أو الكنيسة. هذا ما لفت من زمان المستشرق الراحل دومينيك شوفالييه الذي لاحظ أن العرب يتعاطون مع قتلاهم كما كانت تتعامل القبائل الوثنية مع القرابين التي تقدم للآلهة.

هو من دعا العرب الى اقفال مؤقت للعالم الآخر (الحاخام عوفاديا يوسف أقفله كلياً بانتظار ظهور الماشيح) لكي يدركوا معنى الحياة، المعنى المقدس، ومعنى الموت. كاد يقول اننا نعيش، كما الذئاب، في الصحارى، أو في الأبراج، أو في اليخوت، في... اللامعنى.

هكذا يهز عظامنا اعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لاسرائيل (أين هي القدس وأين هي فلسطين؟)، ولا نكترث لآلاف الضحايا، ولآلاف الأسرى. هل هو الزمن الوثني حقاً ؟

ذلك الفلسطيني في مخيم عين الحلوة يقول لك "أخشى، بانقضاء السنوات، أن تموت ذاكرتنا، وهي آخر ما تبقى لنا. يا صاحبي، لقد وضعنا مفاتيح بيوتنا في الصناديق. يبدو انها صدئت كما صدئت وجوهنا".

يستدرك "ألم تلاحظ موت الغضب فينا؟ كم هو عدد الفلسطينيين الذين يتظاهرون أو الذين يتصدون بالحجارة، أو بالصرخات، لجنود الاحتلال؟".

آخرون يتحدثون عن تقهقر دراماتيكي في الديناميكية السياسية، والديناميكية السيكولوجية. صائب عريقات، ونبيل شعث، وحنان عشراوي، عادوا الى الشاشات "كما لو أنهم لم يذهبوا بنا الى اوسلو حيث دفنت القضية تحت الورود وتحت الثلوج".

لا انتفاضة، بل فقاعات رومانسية. باحثون في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى يتحدثون عن ذلك علناً. هذه ردات فعل قبلية، ولا تلبث أن تتلاشى. الصحافي الأميركي جنيفر روبن يشير، بفظاظة، الى المعادلة التي تحكم الشرق الأوسط الآن. اليهود أتوا من زمن بعيد وأقاموا دولة حديثة. العرب ذهبوا الى زمن بعيد ونصبوا خيمهم.

يدافع "منطقياً" عن حجة دونالد ترامب "كان ملف القدس يعيق أي خطوة نحو مفاوضات خلاقة". أزيلت الصخرة، وغداً قبة الصخرة، من الطريق. دعونا نفاوض. دولة يهودية ـ عربية في الضفة الغربية.

نفتالي بنيت، من حزب "البيت اليهودي"، اعتبر أن اعلان الرئيس ترامب جاء ناقصاً. كان يفترض أن يعلن "يهودا" و"السامرة" جزءاً من الدولة اليهودية.

غراهام فولر، المحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات المركزية، وصاحب كتاب "عالم من دون اسلام"، لاحظ أن العامل السيكولوجي محوري في خارطة التوازنات. العرب، في نظره، أمام حالة من التخلخل الوجداني، والتاريخي، والايديولوجي. هذا يعني انتفاء أي امكانية لقيام حتى توازن ديبلوماسي مع اسرائيل. التوازن الاستراتيجي مستبعد كلياً.

على هذا الأساس، لا يرى المفاوضات مجدية في الوقت الحاضر. واذ يشير، بعيداً من السخرية، الى أن الايقاع التكنولوجي قد يفضي الى تخطي المفهوم الكلاسيكي للدولة، يعتبر أن من الأفضل للعرب أن يفكروا بدولة فلسطينية على كوكب آخر.

ما يستشف من الآراء الغربية المتداولة أن غالبية الحكام العرب مصابون بـ"لوثة الديناصورات". البقاء على عروشهم الى الأبد. لا مشكلة قطعاً في أن يسندوا ظهورهم الى حائط المبكى.

أليس غريباً، اذا ما تجاوزنا النموذج اللبناني العجيب، أو العجائبي، ألا يوجد نظام ديمقراطي واحد في تلك الكمية من الدول التي تضم أكثر من 300 مليون نسمة؟.

أدمغة على عكاز خشبي. القيادات الفلسطينية أعلنت رفضها المفاوضات، وأسقطت صفة الوسيط النزيه عن الولايات المتحدة. هل يمكن لهؤلاء أن يقولوا لنا الى ماذا أفضت المفاوضات منذ عام 1993 (اتفاق اوسلو) وحتى الآن ؟ ومتى اضطلعت واشنطن بدور الوسيط النزيه؟

كل ما في الأمر أننا الموتى. موتى الغضب...!!

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=49794