وجهات نظر

أكثر قلقاً من الحريري

نبيه البرجي


الإعلام تايم- الديار

 

لا أحد يريد تذكير الرئيس سعد الحريري بـ"الأبوكاليبس". أجل "الأبوكاليبس". ما نشر حتى الآن ليس سوى النزر اليسير.

 

قد يحتاج التوصيف الى فرنسيس فورد كوبولا، مخرج "الابوكاليبس الآن"، أو "الرؤيا الآن"، أو الى وليم شكسبير. في تلك الساعات، أو الأيام ، تحوّل الرجل الى شخصية درامية صارخة.

 

هي ثقافة أي بلاط، وعبر الأزمنة. لا مشكلة أن تتدحرج الرؤوس ليبقى صاحب الجلالة، أو صاحب السمو. في احدى مسرحيات صمويل بيكيت، وهو فيلسوف اللامعقول، يظهر المعقول في أجلى صوره. ذاك القيصر الذي عيناه في حذائه.

 

الناس تقول "انظروا، لقد تغيرت ضحكة سعد الحريري"، "ها أن شبح محمد بن سلمان تحت قميصه". أليس من الأفضل أن يبتعد في هذه الآونة عن السراي. لعبة الأمم الى جانبه. ماذا عن لعبة القبائل ؟

 

ثمة أشياء مريعة حدثت. كان يمكن أن يبقى هناك لولم يهدد الرئيس ميشال عون بنقل المسألة الى مجلس الأمن. اتصالات حساسة مع عواصم دولية عادت به الى الحرية.

 

هكذا من قصر الاليزيه الى قصر بعبدا. ثم اختفى ثامر السبهان كما تختفي الأفاعي. والآن، لماذا أثار عادل الجبير ملف قانون الانتخاب؟ لا نتصور البتة أنه فعل ذلك لمصلحة سعد الحريري.

 

اذا سألتم صاحب المعالي، سيقول "أحمد الأسير في صيدا لا أسامة سعد". ربما أكثر "أحمد الأسير لا بهية الحريري".

 

غريب أمر أولئك الناس. التطورات في المنطقة صدمتهم كثيراً. حالة من البارانويا الحادة. لم يعد بإمكان البلاط أن يتقيأ مثل تلك الظواهر البربرية، باللحى التي تمتد الى ما قبل التاريخ، وربما الى ما قبل الله، وقد جابت الساحات، وقطعت الطرقات، في أكثر من منطقة لبنانية، على أن زمن تورا بورا يدق الأبواب.

 

كيف يمكن رأب الصدع بين قصر اليمامة وبيت الوسط؟ لا تزال هناك، حتى في لبنان، تلك الأقلام التي تصر على المقاربة الكاريكاتورية لما حدث. في وسائل إعلام تيار المستقبل من يبالغ، ببغائياً، في ترداد المصطلحات السعودية اياها ظناً منه أن ذلك يرضي حاشية الأمير الذي لا يمكن أن ينسى كيف، ومن، أحبط السيناريو الخاص بتفجير لبنان.

 

قد يكون من مصلحة الرئيس الحريري، في هذه الظروف الضبابية، أن يظهر كشخصية درامية. ولكن غالباً ما تنتهي الشخصيات الشكسبيرية بصورة مأسوية. الكل على بيّنة من البعد التراجيدي الذي بات جزءاً من شخصية رئيس الحكومة. هل يكفي الالتفاف حوله لحمايته ؟

 

الحديث عن أحصنة طروادة في الانتخابات المقبلة. هذا رهان خاسر. لن يستطيع بهاء الحريري، في أي حال، أن يقف وسط الحلبة. ما قاله عادل الجبير يتوخى تخريب الانتخابات حتى لا تأتي صناديق الاقتراع بسلسلة من الصدمات. لا حظنا كلامه عن البعد السني في المسألة. التأجيج المذهبي حتى الانفجار.

 

من "تفاعلوا"، بطريقة أو بأخرى، مع ذلك الكلام، يقولون الآن أن الطائفة السنية بحاجة الى مرجعية. هنا السعودية ما دامت مصر في حال آخر. وفي حالة أخرى. لماذا لا يكون سنّة لبنان هم المرجعية، وبينهم القامات العالية في كل القطاعات، وعلى سائر المستويات ؟

 

في هذه الظروف المعقدة، وحيث الصراعات الإقليمية والدولية في ذروة التقاطع، والتناقض، حول قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، لا مجال للأسئلة الساذجة. الطائفة السنّية في لبنان في أزمة بسبب صراع المرجعيات (لاحظوا العلاقات في مثلث تركيا، مصر، السعودية). من قال أن الطائفة الشيعية، وسط الأمواج المتلاطمة ليست في أزمة ؟ الطائفة المارونية تجترح أزماتها الخاصة.

 

المنطقة أمام مفترقات. كلها على كومة الحطب. حولها يرقص أكلة لحوم البشر. من يقرأ للباحثين الأميركيين الذي يرتبطون باللوبي اليهودي يلاحظ، دون الحاجة الى أشعة ما تحت الحمراء، أن ما يجري يتوخى اللعب حتى بالحطام.

 

كلنا ذاك الحطام. ماذا استطاع الديناصور العربي أن يفعل حين حط أنور السادات بين يدي مناحيم بيغن؟ وماذا يستطيع الديناصور العربي أن يفعل من أجل القدس؟

 

حفل فولكلوري في نيويورك وانتهى الأمر. لطالما تحدثنا عن "رقصة التانغو مع العدم". لبنان لم يخرج من عباءة القرن التاسع عشر. "الرجل المريض" لم يعد السلطنة العثمانية. المسألة الشرقية التي استيقظت ثانية تشير بالأصابع العشرة الى العالم العربي. الرجل المريض أم الرجل الميت؟

 

كثيرون، حتى بين الخصوم، نصحوا رئيس الحكومة بألاّ "يبق البحصة" لأن هناك من يحمل صخرة ويريد أن يلقي بها على لبنان.

 

حالة درامية في السراي. نطمئن سعد الحريري بأن الذين هناك، ويعرفهم، أكثر قلقاً منه.

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=49657