وجهات نظر

باختصار : التوحش وبناء سورية

زهير ماجد


الإعلام تايم - الوطن العُمانية


يمكن لأي ناظر إلى مدينة الرقة في نسختها الجديدة المؤثرة أن يتأمل وحشية التخريب المقصود، وكيف يجب أن تدفن المدن تحت الركام، وأن يظهر للعالم آثار ثمن الاجرام لمن باعوا ذممهم بدعم الوحشية وتمويلها والتخطيط لها.


لن تنام الرقة بعد اليوم الا على كتف الدولة التي حين ذهب إليها وزير المصالحة السورية الدكتور علي حيدر مع رهط من المتخصصين، لم يتمكنوا من إيجاد مكان يجلسون فيه، وقفوا في الشوارع، تحادثوا مليا حول ما العمل، ثم ناموا داخل سياراتهم، ويوم طلع الصباح كانت الرقة على كآبتها تستقبلهم بجرحها.


لم يترك المتوحشون فيها لاتحت الارض ولا فوقها، بعدما أبادوا كل شيء، مواسير الماء، والكهرباء، والبنية التحتية الأخرى، ولم يسلم حائط من خرابهم فسقط على حائط آخر ، وكل الاعمدة ايضا مالت وانحنت ، ويسأل كثيرون ، هل هو الانتقام لمجرد الانتقام، أم هو مخطط من ظنوا أن التدمير تعبير ضروري عن رفض الشواهد الحية ، فكما يتم قتل الانسان ، يجب قتل المدن عبر ظواهرها.


وماذا عن التكاليف، ذهبت اللجنة تلك الى حساباتها فاذا ببنية الماء المدمرة لوحدها تكلف ميزانية دولة.


الرقة سيعاد بناؤها باحلى مما كانت، سيعود الفرات ليحكي لها قصتها الاولى حين كانت جزءا من بستان هشام الذي ذاع صيته في العالم وصار محج الباحثين عن فاكهة وخضرة من خصوصياته.


لاشك أن سورية بحاجة لخطة شبيهة بخطة ماريشال وأكثر .. إذ ليست الرقة الوحيدة المدمرة والمحتاجة لإعادة البناء .. هنالك مايمكن أن يقوم على جهد فردي كما هو حال المدينة الصناعية في حلب والتي قام باعادتها الى الحياة متمولان من اهل المدينة، تبرعا لاعادة تحريك عجلة الحياة ، انها الوطنية في اعلى مسمياتها، هذا هو السوري عندما تتطلب وطنيته ان يتمم واجباته تجاهها فلا يتقاعس.


ستبنى سورية بايدي أبنائها ، ومن سال لعابه من النكرات والمتآمرين، فلن يكون له نصيب في مسيرة الاعمار .. ثمة اصول وطنية حتى في عملية اعادة البناء، ومقدما يمكن القول، ان الترتيب الذي يجريه البعض الذي ساهم في زرع السكاكين في الجسد السوري، لن يكون له محل في مستقبل سورية الاعماري.


اليد السورية العاملة كم بنت من مدن في عالمنا العربي، ويعود اليها الفضل في ذلك، والعقل السوري التخطيطي كان حاضرا في العديد من تلك المدن .. وكاتب هذه السطور، يعرف انه حتى مطار بيروت وليد هذا العقل الهندسي.
لاشك ان سورية خسرت الكثير من يدها العاملة ومن عقولها، لكن دورة الورشات المستقبلية ستكون مناسبة لإعادتها الى مسقط رأسها مساهمة في اعادة الوجه العمراني للمدن التي قررت ان تدافع عن نفسها ضد التوحش بكافة وجوهه ، رغم معرفتها بما ستؤول اليه من دمار.


الوطنية السورية مدرسة الواثقين بوطنهم .. واليد التي دافعت عن ذرى سورية وأمنت ثراها الطيب من شرور الاشرار، هي التي ستمسك بأحجار التعمير لتعيد رصفها حجرا حجراً ، وانا واثق من سرعة الانجاز التي يؤكد عديدون ان الخطط الموضوعة للاعمار تعمل بلا هوادة لتعيد سورية بسرعة الى دورة الحياة الطبيعية، ولتشعر العالم بالامان الذي بلغته، وبالاستقرار الذي صار معلمها الوحيد بعد كل ماجرى ضد التوحش وطغاته من الداعمين والمخططين له.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=49595