وجهات نظر

ما بعد داعش

مازن جبور


الإعلام تايم- الوطن

 

بشكل فعلي دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة ما بعد "داعش"، فالتنظيم الإرهابي شكل سابقاً مدخلاً لعودة روسية نوعية على المستوى العالمي، وعودة أميركية إلى المنطقة، وحضوراً إيرانياً تركياً بارزاً في المنطقة أيضاً، ولكن مع تلاشي هيكل التنظيم وزوال مؤسساته، فهناك أطراف مختلفة متورطة في الصراع ومستفيدة منه، بدأت تهيئ نفسها لأجواء "ما بعد داعش" وللمساومة للحصول على حصة الأسد في هذا الميدان، وتسعى لتحويل مسوغات وجودها العسكرية إلى مسوغات سياسية، متبعة التعاون من المجال العسكري إلى المجال الاقتصادي.

السؤال المطروح الآن بشدة: ماذا عن الغد؟، فـ "داعش" بوصفها تنظيماً إرهابياً حقيقياً، كان له وظيفة يبدو أنها انتهت، ومن هنا يلح السؤال الآن متركزاً نحو: ما بعد "داعش"؟

انطلقت "داعش" بالقدرة والقوة الساحقة التي عبّرت عن نفسها باحتلال الموصل عام 2014 بشكل مثير، وتمددها على مساحة سورية والعراق، فلم تكن هذه حالة طارئة، وإنما جاءت بكل وضوح نتيجة تقاطع مصالح إقليمية ودولية مع مطامح محلية.

"ما بعد داعش"، يحتاج إلى تركيز الجهد العسكري والأمني، ولكن هذا لا يكفي إن أهملت الظروف الاقتصادية والثقافية والنفسية في بلاد المنشأ للظاهرة، إذ لا ينفصل الصراع السياسي عن الاقتصادي بتاتاً، وكذلك الاجتماعي، فالتغيير في هذا مدخل لذلك.

إننا بحاجة لعملية حضارية ثقافية نهضوية عربية وإسلامية، وبحاجة للتصدي للأسباب على المستوى المحلي، وللحوار على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ومن هنا فإن "ما بعد داعش" متوقف في القدرة على فكفكة الألغام التي خلفتها أزمات المنطقة أو تركها بلا علاج والانتقال إلى وضع مأزوم آخر.

إن التغيير يجب أن يطال الفكرة والبيئة والتعليم والثقافة السائدة ليتحول إلى خطاب حضاري منفتح متسامح ديمقراطي تعددي سواء رسمياً أم حزبياً أو مؤسساتياً، كما يجب أن يطال المنهج والنظرة للقوى الإقليمية.

أولى الصراعات أو الحروب المرشحة للاندلاع ستكون بين إسرائيل والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وخاصة في ظل تبدل الظروف الإقليمية والدولية عما كانت عليه في العام 2006، ولعل ما سيسرع من ذلك هو قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

 

على الساحة الداخلية اللبنانية، يبدو أن الأمر أكثر تهيئة وجهوزية لقيام هذه الحرب، ولاسيما بعد تفاعلات احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية.

أما الصراع الثاني، والذي بدأت عملياً أولى خطواته، فهو متعلق بالقضية الكردية، والذي سيواجه الأكراد خلاله ضغوطاً بين العودة إلى أوضاعهم قبل الأزمة، أو التلويح بحرب شاملة من حكومات المنطقة في سورية والعراق وتركيا وإيران لإعادة القوات الكردية إلى ما كانت عليه قبل العام 2003 أي قبل الاحتلال الأميركي للعراق.

بالنسبة للمعطيات التي تدفع باتجاه قيام هذا الصراع فهي مرتبطة بالموقف الأميركي الصامت عن تعرض حلفائه الكرد لهجوم عسكري قوي من حكومة بغداد، وهو الصمت الذي اعتبر بمنزلة تأييد ضمني لاستهداف الكرد، إضافة إلى أن الموقف الأوروبي سيعارض أي تحرك انفصالي للكرد نظراً لاحتمالية انعكاسه على الدول الأوروبية التي باتت تشهد تضاعف شهية الكثير من الأقاليم للاستقلال كما حدث في كاتالونيا.

يبقى الصراع الأخير، والذي لا يمكن تحديد ملامح ثابتة له، هو الصراع السعودي الإيراني، فحالة التخبط غير المسبوقة التي تشهدها السعودية الناتجة بشكل رئيسي عن نقل قيادة المملكة إلى تيار الجيل الثالث من الأحفاد، وظهور الرغبة الواضحة لدى هذا التيار في شراء دور سعودي قيادي في المنطقة العربية من خلال المال، وعن طريق استخدام الأيديولوجيا وفق معادلة "سني شيعي"، هذه الرغبة التي ستصل في مرحلة من المراحل إلى صدام مع إيران.

إلا أن شكل هذا الصراع، فغالباً ما سيحمل طابعاً سياسياً خلافاً لما تشهده الحالة اليمنية التي فُرِضَ فيها السلاح والعمليات العسكرية، فالسعودية ستسعى لضرب النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وهو ما يفسر الانفتاح السعودي الأخير على الحكومة العراقية.

على الصعيد الدولي، يعدُّ الاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن المتمثل ببيان فيتنام نوعاً من التخطيط لمرحلة "ما بعد داعش"، وبسعي موسكو لتعدد الجهات التي تتعامل معها بخصوص الأزمة السورية، فهي لم تنفِ التفاعل مع أي طرف من الأطراف في سورية على مختلفِ المستويات سواء على الصعيد دون الوطني والوطني، أم على الصعيد الإقليمي والدولي، وعاد التفاعل مع الجميع بنسب مختلفة، فمحادثات أستانا، وجنيف، والآن سوتشي، هي معطيات هذا الأصل. ومن جانب آخر فإن موسكو، لم ولن تفقد تعاملها مع أميركا على الرغم من وجود التوتر بين الدولتين في مجالات مختلفة.

ستشهد مرحلة "ما بعد داعش" مسعى روسياً لعرض قدرتها في المجالات السياسية بعد أن أثبتت قدرتها في المجال العسكري، وفي هذا السياق قد تشهد المرحلة المقبلة نوعاً من ممارسة الضغط على حلفائها للاستجابة لمطالبها بصورة أوسع بإبراز أن روسيا لديها القدرة على إدارة ملفات كبرى في العالم ومنها ملف أزمة الشرق الأوسط المتعدد المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

انطلاقاً مما سبق ستعزز موسكو في استعراض الاستعداد والرغبة في التعاون مع الدول العربية في المنطقة بما فيها السعودية والأردن ومصر والإمارات وغيرها؛ وبهذا الاستدلال يتضح أنه يمكن لروسيا أن تكون نقطة توازن في المنطقة، تحفظ من خلالها مصالحها ومصالح حلفائها.

لا تريد الولايات المتحدة ترك المنطقة بعد أن أمنت عودة لها عبر بوابة "داعش"، وفي هذا الاتجاه أشار وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى بقاء التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بذريعة محاربة التنظيم حتى إحلال السلام في سورية والعراق، فبعد زعمها أنه مخصص لمحاربة الإرهاب تسعى واشنطن للترويج أن للتحالف مهمتين، حسب ماتيس، القضاء على داعش والتوصل لحل سياسي في البلدين، ومن ثم فإن التوصل لحل سياسي هو مسوغ بقائها في مرحلة "ما بعد داعش"، ومن هنا تربط بقاء التحالف في سورية بالتحديد بنجاح مفاوضات جنيف السورية السورية.

إذاً، بتلاشي هيكل تنظيم داعش الإرهابي وزوال مؤسساته، فهناك أطراف مختلفة متورطة في الصراع ومستفيدة منه وفي الوقت نفسه تهيئ نفسها لأجواء "ما بعد داعش" للمساومة وللحصول على حصة الأسد في المنطقة، وتسعى لتحويل مسوغات وجودها العسكرية إلى مسوغات أمن وسلام واستقرار، متبعة التعاون من المجال العسكري إلى المجال الاقتصادي وربما بدرجة ما الثقافي

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=49525