تحقيقات وتقارير

المشردون يغزون شوارع دمشق.. بانتظار العلاج؟


الإعلام تايم - رنا الموالدي


إنها الساعة العاشرة صباحاً..  في منطقة مركزية بدمشق فتاه في ريعان العمر على وجهها بقايا مساحيق تجميل.. قوامها جميل ما ترتديه ممزق إلى جانبها "حقيبة يد" مستهلكة.


الملفت أنها لو كانت فتاة "ليل" فهي قادرة مما تجني ألا تلتحف الأرض صباحاً.. المؤكد أنها مشردة بلا مأوى والأرجح أن هناك من يستغل عوزها جنسياً بطريقة  لا إنسانية.


ذلك المشهد ليس من فيلم درامي .. أو نسج خيال كاتب هو ما شاهدته سيدة فضلت ألا نذكر اسمها، موجهة سؤالها الملح أين وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ؟؟أين المقتدرون مادياً في بلدنا من تبني مثل هذه الظواهر والتعاون مع الدور المختصة و الجمعيات الأهلية المعنية ؟


موضوع حساس بات من المشاكل التي تؤرق المجتمع وإن لم نشعر به بصورة مباشرة، إلا أن العمل عن قرب  يكشف أمامك الكثير من المعضلات التي تستلزم من الجميع التوقف أمامها.


في البداية قصد فريق "الاعلام تايم" الشارع للوقوف عند بعض الحالات، لكن ما لمسناه أن التردد والخوف والفرار هو الرد السريع لهذه الفئة.. ربما هو خوف بفعل تهجيرهم من منازلهم أو فقدانهم ذويهم وأعزاء على قلوبهم ناهيك عن قانون الشارع.. ليقول محمد ونظنه "اسم مستعار" بعد إلحاح منا في السؤال وتأكيدنا له أننا لسنا من الشرطة  أنه لا يذهب إلى المدرسة ويقضي يومه في التسول أو بيع "المناديل، العلكة"  كما أنه يتعرض للكثير من المضايقات قد تصل إلى الضرب والمطاردات "كما يقول" فهو يؤكد معلومات ثم يعود لينفيها ما يعرفه أنه في الشارع يقبل بأي شيء يحصل من خلاله على قوت يومي.


مبادرات للحد من الظاهرة
عكفت العديد من  المبادرات الفيسبوكية على نشر محتوى عن معاناة هؤلاء وتوصيل صور المشردين إلى المعنيين في المجتمع والدولة، وطرحها على موائد نقاش التواصل الاجتماعي ، وهو ما كان له أثر كبير في تغيير سياسات كثير من المنظمات الحكومية وغير الحكومية في التعامل مع هذه الظاهرة كان آخرها استجابة الشؤون الاجتماعية  لمعالجة وضع السيد خالد محجازي ، الذي يبلغ من العمر 63 عاما" ، والذي اتخذ من حديقة شكري حكيم بالصليبة في اللاذقية مستقراً له ، حيث قامت المديرية مباشرة ، وحال علمها بالموضوع بالمعالجة عبر نقل المذكور الى المشفى الوطني  وذلك من أجل إجراء الفحوص الطبية اللازمة ، ثم تم إرساله إلى دار المسنين التابع لمديرية الشؤون الاجتماعية والعمل باللاذقية إضافة إلى العديد من حالات التي تم احتوائها.


أرقام صادمة من الأمم المتحدة كما لم تقرأ من قبل
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قدرت عدد الأطفال السوريين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما بنحو مليون طفل سوري، ما يعتبر كارثة بكل المعاني، معربة عن خشيتها أن يتعرض قسم كبير من الأطفال دون معيل إلى مخاطر الاتجار بالبشر أو أن يتعرضوا للعنف، أو حتى أن يستخدموا كقطع تبديل بشرية من خلال سرقة أعضائهم، فضلاً عن خشية متزايدة تتعلق بأزماتهم وصدماتهم النفسية.


التحديات والحلول الممكنة
في الواقع لا ننكر بأن هناك محاولات تقوم بها الجهات المعنية بين الفينة والأخرى للحد من هذه الظاهرة، من خلال القيام بحملات "تطهيرية" لالتقاط  هؤلاء المشردين وإحالتهم على بعض الجمعيات المتخصصة في الرعاية،  وذلك حسب ما أفادتنا به وزارة الشؤون الاجتماعية عن واقع  السوريين في ظل الأزمة وإجراءات الحماية والاهتمام من قبل الحكومة و الوزارة  تعزيزاً لحماية الأطفال المعرضين للمخاطر و لا سيما نتيجة ظروف الأزمة، حيث تم إعداد واعتماد نظام (إدارة الحالة) من قبل الوزارة الذي يتضمن أسس وإجراءات  الرصد و الإبلاغ و الإحالة بالنسبة لحالات الاطفال المنفصلين أسرياً و المتشردين و المتسولين و ذوي الإعاقة و ضحايا العنف و ضحايا تجنيد الأطفال و فاقدي الرعاية الأسرية  وصولاً إلى رعايتها و إعادة تأهيلها و دمجها مع إعطاء الأولوية لمتابعة العملية التعلمية للمنقطعين عن التعليم .


تجدهم بوجوه بائسة وملابس بالية  تجمع من الأوساخ ما جادت به سنوات الضياع، في مختلف شوارع المدينة منتشرون على أرصفة الشوارع الرئيسية قرب المحلات التجارية وأمام المقاهي والمطاعم وفي الحدائق العمومية ومواقف السيارات إما صامتون أو متمتمون بكلمات غير مفهومة، تعبر عن اعتراض ورفض للعالم كله، استعطاف واستجداء بهدف الوصول الى لقمة قليلة.. وجوه تختزل قصصاً وحكايات وتجارب تحمل من المآسي والظلم ما تلخصه سنوات الحرب.


هو حال المشردين في سورية منهم من اختار الشارع وسيلة عيش، ومنهم من جار عليه الدهر فرمى به في الشارع وبعضهم وجد نفسه عنوة في الطريق فهل سنلمس  تقدماً من الوزارة و الحكومة  في التعاطي مع استراتيجيتها المقدمة بهذا الخصوص وفي مقدمتها إعادة ترتيب الاولويات  بدءاً من استبدال تصريحاتهم "البروتوكولية" بأخرى تعكس قيامهم بزيارات ميدانية مفاجئة إلى الدور والمؤسسات المختصة للوقوف على مستوى الخدمات التي تقدمها لمن هم تحت رعايتها.. هل تفعل لوضع الضماد مكان الداء؟.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=49379