وجهات نظر

قاذفات في عنق الزجاجة

نبيه البرجي


الإعلام تايم-الديار

 

مسؤول بارز في "حزب الله" قال لنا «لسنا موجودين في العراق واليمن. سورية مسألة أخرى".

قد يكون الحزب القوة السياسية الوحيدة في لبنان التي لا تعاني من أي لوثة فرويدية. لا شيزوفرانيا في المواقف، ولا بارانويا في العقل السياسي.

هذا هو الكلام الأخير والقاطع. لا داعي، اذاً، لذلك الكلام المضحك، المضحك جداً، الذي نقلته صحيفة سعودية ويقول ان الرئيس سعد الحريري تمنى على الكرملين، وعبر السفير الروسي في بيروت الكسندر زاسبكين (تصوروا...!!)، التدخل لدى ايران لحمل "حزب الله" على الخروج من اليمن.

رئيس الحكومة الذي تلاحقه الأشباح، التائه بين الزنزانة والعباءة، يحاول، بأي طريقة، اثبات ولائه للبلاط. الرجل لا يستطيع الا أن يفعل ذلك والا كان في انتظاره ما هو أشد هولاً من ذلك اليوم الذي أرغم فيه على تلاوة بيان الاستقالة. ولقد بدا أشبه ما يكون بضحايا "أرخبيل الغولاغ" في الرواية الشهيرة لألكسندر سولجنتسين.

عليه أن يرفع الصوت ضد ايران و"حزب الله"، وصولاً الى التمني على الكرملين، كما لو أن فلاديمير بوتين الذي على بيّنة من كل تفاصيل الوضع الذي يدور فيه رئيس حكومتنا سيتوجه، في الحال، الى طهران لإقناعها بالأمر.

قد يكون علينا أن نقول للرئيس الحريري، ونعلم، تماماً، دقة محنته الكفكاوية (نسبة الى فرانز كافكا)، وهي محنة وجودية، اننا نتعاطف معه، وأن خط النار الذي يمشي عليه رفيع جداً. نقول أكثر أن "حزب الله" ليس موجوداً في اليمن.

كلام لا يحتمل أي تأويل. المملكة في المستنقع الفيتنامي، عفواً في المستنقع اليمني. فريد زكريا، المعلق الأميركي، الهندي الأصل، لاحظ أن القاذفات عالقة في عنق الزجاجة.

انه المأزق المتعدد الأبعاد. المأزق الاستراتيجي، وحيث الوصول الى صنعاء يبدو مستحيلاً بعد تلك الكمية من القنابل التي تعادل قنبلة هيروشيما بأكثر من عشرة أضعاف على من لا يمتلكون سوى هياكلهم العظمية.

المأزق المالي. وحيث الاستنزاف الدراماتيكي لأرصدة المملكة، حتى أن الأمير محمد بن سلمان لجأ الى أرصدة أبناء عمه، بالعصا أو بالسيف، لتغطية تكلفة الحرب.

المأزق السيكولوجي أيضاً. اذا كنتم تعلمون أي جراح تركتها حرب الهند الصينية في الوجدان السياسي، والفلسفي، الأميركي. ماذا عن المأزق الأخلاقي الذي يتفاعل دولياً، وصولاً الى نيويورك، أمام مشاهد الأطفال الذين يموتون اما  بالقنابل الشقيقة أو بالكوليرا الشقيقة. زكريا تحدث عن "استراتيجية الكوليرا".

أبعد من ذلك، حرب اليمن يمكن أن تسقط عروشاً. هل يتجرأ الرئيس الحريري ويقول هذا لصاحب السمو الملكي ؟

صاروخ باليستي واحد، لا أكثر، واهتزت الدنيا. الصاروخ دمر في الجو. لم تسقط سوى الشظايا على المطار. لا أحد تعنيه آلاف الصواريخ التي سقطت على الأسواق، وقاعات العزاء، والأحياء الآهلة، وحتى على الغابات.

اذا كان رئيس حكومتنا يبغي تقديم خدمة لأهل البلاط، وهم يرصدون الآن حتى وقع قدميه، ما عليه الا أن يستقل طائرته الخاصة، ويتمنى على القيصر التدخل لدى الأمير محمد بن سلمان ليعلن وقف الحرب، والانتقال من لغة القاذفات الى لغة القفازات.

«حزب الله ليس في اليمن. ليتوقف الدوران حول هذه المهزلة. المهزلة الأخرى، النأي بالنفس. المصطلح الباهت، الملتبس، وسط تلك الظروف الضاغطة، والمعقدة.

مصر نأت بنفسها عن تداعيات الفوضى الليبية. ماذا كانت النتيجة؟ آلاف القتلى من الجنود والمدنيين من المصريين، من القاهرة وحتى العريش.

ماذا لو أن "حزب الله لم يتدخل وانهارت الدولة في سورية، واستشرت الفوضى التي أكثر كارثية، وأكثر وحشية، من الفوضى الليبية؟ لا نعتقد ببقاء حجر على حجر في لبنان.

لا نشك لحظة في دماثة الرئيس الحريري، ولا في ادراكه حساسية التوازنات في الداخل اللبناني. كما لا نشكك في عذابات الرجل أمام الأنوف المرفوعة في قصر اليمامة. لكننا ندعوه الى القفز فوق الأشباح، و المضي في المغامرة. مغامرة بقاء لبنان لأن أي موقف آخر أكثر من أن يكون انتحاراً سياسيا. انتحار أخلاقي.

براثن كثيرة تتربص بك يا دولة الرئيس. قلت "لبنان أولاً". فليكن...

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=49165