وجهات نظر

داعش من جديد.. عندما يتمدد في مصر!

عبد المنعم علي عيسى


الإعلام تايم- الوطن

 

 

يشير الإعلان النهائي للنائب العام المصري، أن يوم الجمعة الدامي في العريش، كانت حصيلته 305 شهداء و128 من الجرحى، وهي حصيلة كارثية لها العديد من مدلولاتها في أول رد فعل تقوم به "ولاية سيناء"، الذراع الداعشية في مصر، على أفول شمسها في كل من سورية والعراق، على حين أن تأخر تلك الذراع عن إعلان المسؤولية عن الفعل يشير إلى احتمال أن يكون هناك قرار بتغيير الاسم وتبني آخر جديد.

 

تقول المعلومات التي أفاد بها شهود عيان أن انفجاراً شديداً كان قد وقع بالتزامن مع انتهاء صلاة الجمعة في مسجد الروضة يوم الجمعة الماضي، وعندما سارع المصلون إلى الفرار خارج بهوه كانت هناك أربع مجموعات مسلحة تتخذ وضعية "الهلال" في مواجهة الباب الرئيسي الأمر الذي مكن من استهداف الهاربين وتحقيق إصابات كبرى فيهم، وفي ضوء المعلومات المتوافرة يمكن تسجيل النقاط التالية:

– البصمات بصمات داعش فسيارات الدفع الرباعي هي نفسها والعبوات المتفجرة هي نفسها، وما يؤكده الأداء هو أن القائمين بالفعل هم فئة مدربة تدريباً عالياً ومن ذوي التجارب العديدة حتى بقي عناصرها بعد ارتكابهم للمجزرة بانتظار سيارات الإسعاف لاستهدافها من جديد.

– العملية معدة بشكل شديد الإتقان ولم يكن ممكناً تنفيذها لولا وجود دعم لوجستي مناطقي، بمعنى دعم حاسم من القبائل المحيطة بقرية "بئر العبد"" التي حصلت فيها المجزرة، ومن المعروف أن قبيلتي "السواركة" و"المنايعة" الأغلبيتين في المنطقة، تعتبران من داعمي التطرف أو هما تمثلان حضناً دافئاً له، ولا يبدو أن الدولة المصرية تأخذ إعلان الأولى منهما قبيل أشهر عن دعمها للجيش المصري في محاربة الإرهاب على محمل الجد وفي الأمر الكثير ما يدعو إليه بالتأكيد.

– المنطقة المستهدفة تقع خارج ما اتفق على تسميته بمثلث الموت الممتد بين رفح والعريش والشيخ زويد الذي تتمتع «ولاية سيناء» فيه بنفوذ كبير، حتى إنها تبعد عنها ما يزيد على 70 كم، في رسالة تريد أن تقول إن سيناء كلها هي ملعبها وليس مثلث الموت فحسب.

– المسجد كما تبين عائد لمذهب إسلامي يتبع الطريقة الصوفية في العبادة، ومن المؤكد أن تنظيم "ولاية سيناء" الذي يتبنى فكر "الجهادية السلفية" هو ألد أعداء تلك الطريقة، وإذا ما كانت أغلبية التحليلات ترجح أن ذلك الأمر لا يمكن له أن يكون الدافع الأساس في القيام بفعل كهذا، ولربما كان ذلك كله صحيحاً، إلا أن التنظيم أراد صيد العديد من العصافير دفعة واحده من أبرزها: زعزعة الثقة بالدولة المصرية، والإعلان عن أن المتصوفة كلها قد باتت دريئة سيجري التصويب عليها منذ الآن، ثم القول إن سيناء هي الملعب الذي سيشهد المباراة الافتتاحية، وما يعطي الحدث خطورة أكبر مجموعة من العوامل من أهمها هو أن داعش قد اختار في معركة رد الاعتبار، دولة مركزية مهمة، وليست هامشية كليبيا مثلاً، والتي لو كانت مرتعاً للحدث لكانت أصداؤه أقل بكثير بالتأكيد، ومنها أن الدولة المصرية لا تبدو بأنها جاهزة للتصدي لمخاطر كهذه.

 

قال الباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة أشرف أبو الهول بعد ساعات من الحدث على قناة "العربية" إنه ومن خلال التقارير العديدة التي أعدها عن النشاط القبلي والمذهبي في سيناء، حدث أن التقى بأشخاص قالوا له إنهم لم يروا عنصر أمن منذ ما يزيد على 25 عاماً، بينما البعض قال إنه لم ير مخفراً للشرطة في حياته، ليجيب آخرون ما المخفر، ثم لماذا يكون أصلاً؟ ومما سبق يتبدى بأن الدولة المصرية تعرف القليل عن تلك المناطق والمجتمعات القبلية المنغلقة التي تعيش فيها، الأمر الذي يعني صعوبة إحداث اختراق كبير من شأنه أن يشكل مدخلاً لهزيمة سريعة وساحقة لتلك التنظيمات، ويزيد من صعوبة الموقف أن الدولة المصرية لا ترى إمكان استخدام بعض القبائل في مواجهة تلك التنظيمات لتكون أشبه بـ«الصحوات» المصرية انطلاقاً من حالة انعدام الثقة التام ما بين الطرفين الأمر الذي يتمظهر في الإعلان عن استحالة أن تفكر، الدولة المصرية، بتسليح تلك القبائل أو جزء منها وهو ما أكدت عليه كل التصريحات الصادرة مؤخراً وعلى جميع المستويات.

 

الخشية هنا هي أن تكون تلك العملية التي وصفت بالموسعة والتي انطلقت في أعقاب إعلان الرئيس المصري عن "الرد على هذا العمل بقوه غاشمة"، هي مجرد ردة فعل كبيرة لم يكن بالإمكان تأجيلها حتى تستكمل شروطها، استجابة لمشاعر الشارع المصري الغاضبة، فردات فعل كهذه، تأخذ طابع الثأرية، وهو بالتأكيد لا يتطابق مع سلوك الدولة العميقة التي ستجد نفسها مضطرة لإبراز قوة البطش لديها بغض النظر عن النتائج المستحصلة من ذلك الفعل، في الوقت الذي لا مصلحة فيه للدولة المصرية بوضع تلك القوة في الميزان، ووفق المعطيات كان من الأهم إعادة رسم خريطة معلوماتية لسيناء من شأنها أن تستكمل كل النواقص على كثرتها، وفي الآن ذاته توسع بنك الأهداف الراهن عبر الوقوف على عملية جرد دقيقة للمتغيرات الديموغرافية الحاصلة في سيناء مؤخراً، أي في خلال الأشهر القليلة الماضية التي شهدت تداعي "داعش" في كل من سورية والعراق، بدلاً من الاستجابة لمشاعر الشارع سريعاً على الرغم من المخاطر المحدقة بسلوك كهذا، وهي ناجمة عن فشل محتمل في تحقيق نتائج مأمولة ومحسوسة وسريعة، وربما تأتي الرياح بالعكس كأن يعمد التنظيم، وهو أمر مرجح جداً، إلى القيام بعمل شبيه للسابق في ظل الإعلان الرسمي عن توجيه ضربات ساحقة لتلك الجماعات من شأنها أن تفقدها قدراتها الهجومية كما يقال، ناهيك عن أن أغلبية التجارب تشي بخطورة السير وراء خطاب الشارع على عواهنه

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=49133