وجهات نظر

دبلوماسية الضرورة

علي قاسم


الإعلام تايم-الثورة

 

 

لم يترك البيان المشترك الروسي-الأميركي مجالاً للشك بحضور الشأن السوري في أولوية الاهتمام، وإن بدا بياناً بطابع إعلامي مغلفاً بكثير من طقوس السياسة ودهاليزها، حين نجحت الدبلوماسية الروسية في انتزاع موقف قد لا نختلف على عناوينه الكبيرة، لكنه يحتوي ما يكفي للتوقف حول التباينات في تفاصيله الكثيرة التي تجزم بأن الحراك السياسي لم يحط رحاله بعد، ولا تزال الجعبة الدبلوماسية تحمل الكثير من الأوراق الخاضعة للنقاش، والتي تستحضر ما يصعب على لقاء قمة أن ينهي ما فيه.‏

 

الأهم.. وفق المعايير السياسية والدبلوماسية.. أن القمة أرست مناخاً سيكون حاضراً في بعض تجلياته، وسيدفع باتجاه حالة من التفاؤل المشوب بالحذر، بحكم أن التجربة لا تعمل لمصلحة المشهد المتداول إقليمياً، حيث الحسابات والمعادلات لا تكتفي بإيجاد دائرة من التباينات الحادة، بل تصل إلى حدود الصدام الفعلي رغم ما يعتريه من انقشاعات خادعة تغذّيه إلى حدٍّ كبير بعض الأوهام التي لا تزال تحكم مواقف البعض الإقليمي والكثير من الدولي.‏

 

لا أحد ينتظر أن ينتزع اللقاء ما يصعب انتزاعه في سواها، حيث حبال التعقيدات تطول ويطول معها الحديث، وخصوصاً عندما ترتبط بسلوك أميركي مريب، لا يزال يثير عشرات الأسئلة المؤجلة، فيما يتعلق بالدور والمهمة والغاية التي تتقاطع مع ما يثبت وبالقرينة التعمد الأميركي في إطالة أمد الإرهاب، والاستثمار الفج في منتجاته، والإصرار على رسم قواعد لعبة جديدة، تدفع المنطقة ثمناً غالياً لها، وهو ما يتعارض في الحد الأدنى مع ما خرج من البيان المشترك لجهة الدفع بجهود مكافحة الإرهاب، ومحاصرة أدوات تمويله ومصادر تبنيه سياسياً وعسكرياً، ومراكز تدريبه المنتشرة أمام العين الأميركية على امتداد المنطقة.‏

 

قد تكون تلك المخرجات الأولية لترتيبات اللقاء والعلاقة الأمريكية - الروسية، وما يتسرب من خلف جدرانها عن عمد مسبق، أو جاء عفو الخاطر، كافية لإشاعة جزء من منسوب التفاؤل، لكنها في عمق المشهد السياسي المحاط بكثير من التحديات والصعاب، والمترافق بكمٍّ لا ينتهي من طلاسم السياسة الأميركية، يجعل من الشك طريقاً لا بديل منه في ظل معطيات تتوافق من حيث الشكل على رسم عشرات علامات الاستفهام بخصوص إدارة الرئيس ترامب وقنوات العمل داخلها، وما يخرج عنها.‏

 

القائمة تطول أكثر من ذلك، وهي تقدم محاكاةً يصعب تجاهلها، وفي مقدمتها أن ما يرسمه الميدان، يفرض إيقاعه، وسيكون من العبث تجاوزه، أو محاولة الالتفاف على نتائجه ومخرجاته الأساسية، حيث الحسم ليس سياسياً ودبلوماسياً، بل أيضاً عسكري، في ظل تهافت أميركي على التسليم بالنتائج لفظياً، فيما البدائل ومحاولات إغراق المنطقة في أتون صراعات قائمة، أو تقيمها احتفاء بأفول داعش والإرهاب الذي يشكله، تستولد من داخله ما هو أشد وضوحاً في معيقاته وأكثر صعوبةً في عراقيله حتى إشعار آخر.‏

 

فالواضح أن هذه القائمة لا تنتهي عند "البوكمال".. ولا هي مجردة من الحاجة الفعلية أميركياً للأخذ ببعض ما نتج عنها، ولكن في البوابات الخلفية للسياسة الأميركية ثمة من يتربص بالواقع، وما يحمله من تحديات واضحة وصريحة للمقاربة الأميركية، حيث الإرهاب ليس شكلاً واحداً، وتنظيماته أيضاً ليست نمطاً واحداً، وإن كانت تتطابق في المهمة والوظيفة والدور.‏

 

لقاء الرئيسين بوتين وترامب يصلح لتهدئة الخواطر.. لكن سيكون من الصعب التخيل أن بإمكانه أن يزيل جبلاً من الجليد يلفّ العلاقات الأميركية الروسية، في ظل تداعيات تتسارع فيها وتيرة المناكفة السياسية، وتتلاطم على ضفافها تجاذبات عقود مديدة، لم تستطع مختلف المحاولات التي مرت في تخفيف ما تراكم منها، بل ثمة من يجزم بأن اللقاء الذي جاء مختصراً، استنطق البيان المشترك عنوة، وليس هناك من ضمانة بأن يبقى حيث هو، ولا أن يترجم منه شيء، بحكم أنه جاء في الوقت الصعب.. وفي حقبة الخيارات الأكثر صعوبة.‏

 

لن تعيي أميركا الحيلة في أن تجد ما يبرر بعضاً من هفوات سياستها، في ظل ازدواجية قد نفهم بعض جزئياتها أو نتفهمها.. إلا أنها ليست القاعدة التي تصلح معها لمحاكاة ما تقوم به.. وما تمارسه من أدوار، نأمل أن يستطيع البيان المشترك التخفيف من حدة تناقضات السياسة الأميركية، وهو يضيف إلى رصيد الدبلوماسية الروسية ما يكفي للمضي قدماَ في خياراتها التي بنت إحداثياتها على الثوابت السورية سابقاً وحاضراً وهو ما سيكون عليه لاحقاً.‏

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=48870