في الثالث عشر من شباط عام 1960 استفاقَ أهالي منطقة "رقان" في الصحراء الجزائرية على أصوات مدوية تبعها غبار كثيف و وميض ضوئي رآه بوضوح سُكّان منطقة "كرزاز" التي تبعد مسافة 650 كم من منطقتهم ، ظنَّ الجميع أنَّ زلزالاً ضرب الجزائر برمَّتها، لكنهم اكتشفوا بعد أيام أنَّ الأمرَ أبسط من ذلك بكثير، إنَّه مجرد جربوع ـ أو لنكن أكثرَ دقة ـ إنَّه "الجربوع الأزرق" : الاسم الذي أطلقته سلطات الاستعمار الفرنسي على أول تجربة تفجير نووي بلغت طاقته التفجيرية 60 كيلو طن ، أي ما يعادل 70 مرة قنبلة هيروشيما اليابانية. تجربة " الجربوع الأزرق" كانت الأولى من بين 17 تجربة نووية أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية الكبرى ، تجربة لم يختبر فيها الفرنسيون حجم القوة التدميرية " لجربوعهم الأزرق " فقط ، بل اختبروا أيضاً تأثيره الإشعاعي على 150 أسير جزائري من مقاتلي جبهة التحرير الوطني تم اقتيادهم إلى موقع التفجير.
حتى تاريخ اندلاع " الربيع العربي " كان الخراب الناجم عن الحروب المباشرة للغرب يطالُ بمعظمه وجود العرب و سلامة أراضيهم، فالغرب كان قليل الحيلة في اختراق عقول شرائح واسعة من الشعوب العربية بدليل أنه عقب كل احتلال أو حرب كانت الدول المُستهدفة تسترد جزءاً من عافيتها، و لكن مع " الربيع العربي" نقلَ الغرب ساحة التجريب إلى العقل العربي ليحقق أكبر نجاحاته دون أنْ يحرك جندياً واحداً و ذلك بفضل الفتاوى التي أصدرها أوباما و صحبُه، فما ان انطلقت شرارة الاحتجاجات ( عفوية كانت أم مفتعلة لا فرق) حتى بادرَ غالبية مثقفي الغرب و قادته بإعلان الساخطين " ثواراً " و إعلان القادة المُنتفض ضدهم ( والذين كانوا بمعظمهم خدماً لواشنطن و حلفاءها ) قادة "فاقدين للشرعية" و طالبوهم ـ بوصفهم الأمناء على حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ـ بالرحيل الفوري في وقتٍ لم تكن فيه مطالب المحتجين أنفسهم قد تعدّت شعار ( عَيش ، حريّة ، عدالة اجتماعية)، مطالب كانت كلفة تحقيقها سلمياً أقل بما لا يُقارن من الخراب الحاصل اليوم والناجم عن الانهيار الكلي أو الجزئي لمنظومة الدولة، أو لوقوعها في قبضة دكتاتوريات لامركزية أو عابرة للقارات.
ما تقدم كان السِّمة العامة لحال البلدان التي ضربها " الربيع العربي " وأصبحت اليوم جميعها نُهبى للإرهاب، وللهدم المُمنهج للشخصية الوطنية الجامعة، و لغياب الدولة المركزية، إنها الفوضى العمياء التي ما كان لها أنْ تجدَ طريقها إلى بلداننا لو كانت عقول غالبية أفرادها قادرة على التمييز ما بين إسقاط النظام بوصفه " طغمة حاكمة " أو بوصفه نقيضاً للفوضى، في هذه الفوضى استثمرَ الغرب وفرضَ نفسه مرجعية تحدد "لشعوب الربيع" الهدف، و تبرر لها كل وسيلة لتحقيقه عبر سلسلة من " فتاوى القتل " كان أوباما وصحبه قد سبقوا " شيوخ الفتنة " لإطلاقها، وكما كانت فتاوى هؤلاء خروجاً عن جوهر الشرائع السماوية السمحة، كانت فتاوى " رؤوساء الفتنة " انشقاقاً حقيقياً عن شرعة حقوق الإنسان بوصفها دين الغرب وديدنه. ما بين " الجربوع الأزرق " و" الربيع العربي " يمتد اليوم خرابٌ جهنمي يجتاح الأرض والنفوس والعقول، أوباما وصحبه قد كسبوا حرب " الربيع العربي "، حربٌ اختبروا فيها قدرة الآلة الإعلامية المدججة بفتاوى الدم على التلاعب بعقولٍ أضنتها سنوات الأستبداد المُحتضن ـ أحياناً ـ من الغرب نفسه، عقولٌ تائهة بين مرجعيات فكرية متناحرة، منها العلماني المُتسلط ومنها الديني المُعتدل و منها الإلغائي الدموي ... و لكلٍ مريديه. حربُ " الربيع العربي " لن تقتصرَ على بلاد العُرب، بل ستطال كل بلدٍ ترى واشنطن وحلفاءها ضرورة الهيمنة عليه حفاظاً على مصالحها أو ابتزازاً لخصومها، لظى " الربيع " وصل اليوم لأوكرانيا، و لن نستغرب إذا عادتْ الحياة ودبّت في عروقه في أقاليم روسيّة أو صينية. |
||||||||
|