نافذة على الصحافة

حال أوربا واستقلال الاقاليم.. حفروا فسقطوا


الاعلام تايم _ رأي اليوم


قالت صحيفة رأي اليوم اللندنية "كُنّا نَخشى عمليّة تفكيك بُلداننا في الشّرق الأوسط، ابتداءً من سورية، ومُرورًا بالعِراق، وانتهاءً بليبيا واليَمن على أيدي أمريكا وحُلفائها الغَربيين، وها هو سِحرهم يَرتد عَليهم حتى الآن على الأقل، وتَبدأ عَجلته في الدّوران تَنطلق من برشلونة، بعد أن تعثّرت، أو أُجهضت في اسكتلندا.


المَحظور الذي كانَ يَخشاه مُعظم الأوروبيين، إن لم يَكن كلهم، والاتحاد الأوروبي في مُقدّمَتهم.. وقع عندما أعلن برلمان كتالونيا الاستقلال عن إسبانبا، وأصبح الإقليم نظريًا جمهوريّةً مُستقلّةً، لأن نِسبة التّصويت كانت 70 بالمئة صوتًا من 150، هم مجموع أعضاء البَرلمان، وهذا لا يَعني حُدوث انقسامٍ كبير.


وأضافت الصحيفة استقلال كتالونيا يعني تشجيع أقاليم أُخرى ليس في إسبانيا مثل الباسك على الاستقلال، وإنّما في مُعظم الدّول الأوروبيّة، إن لم يَكن كلها، فإقليم بارفاريا الألماني يُفكّر بالسّير على الطّريق نفسه، وكذلك جزيرة كورساريكا في فرنسا، والحال نَفسه يَنطبق على شمال إيطاليا الغَني عن جنوبها الفقير، والقائمة تطول.


الاتحاد الاوروبي أعلنها صراحةً بأنّ الانضمام إلى عُضويته لن تكون مسألةً آليّة، ولن يتعامل إلا مع حكومة مدريد الشرعيّة، بينما يَستعد ماريانو راخوي، رئيس وزراء إسبانيا، لإعادة الشرعيّة في كتالونيا، أي إلغاء الحُكم الذاتي، ووَضع الإقليم ومُؤسّساته تحت وصاية الحُكومة في مدريد.


الكتالونيون يَعتبرون أنفسهم دولةً قائمةً بذاتها، ولهم هويّة مُستقلّة عُنوانها اللّغة والإنتاج، ويَتباهون بأن 25 بالمئة من صادرات إسبانيا تأتي من إقليمهم الذي يُعتبر الأغنى في البلاد، وفوق كل هذا وذاك يَملكون أحد أكبر الأندية الكرويّة في العالم (برشلونة)، إن لم يَكن أكبرها فِعلاً.


كتالونيا كانت دائمًا "المسلة" المُزعجة في الخاصرة الإسبانيّة، ومَصدر الحُروب والصّراعات، فعندما أعلنت الاستقلال عام 1934 أشعلوا فتيل الحرب الأهليّة، وسَقط آلاف الضّحايا نتيجة بَطْش فرانكو إمبراطور اسبانيا وجَبروته.
حُكومة راخوي المركزيّة ليست ديكتاتوريّة، ولا نَعتقد أنها سَتلجأ إلى سياسة القبضة الحديديّة، ولكنّها قطعًا ستًستخدم السياسة الناعمة، أي الورقة الاقتصاديّة، وبِما يُقوّض الورقة الكتالونية الأقوى، أي الازدهار الاقتصادي، فالبنوك والشركات الكُبرى هدّدت بنَقل مقارّها من برشلونة  إلى مدريد ومُدن إسبانيّة أُخرى.


ما أفْشَل استفتاء اسكتلندا هو تهديدها بوَقف تعاملها بالجنيه الاسترليني، وَسحب الاستثمارات، ونَقل مَقرّات البُنوك الكُبرى، ونَجحت هذهِ التهديدات في دَفع الاسكتلنديين، أو الأغلبيّة مِنهم، للتصدّي ضِد الانفصال، والسيناريو نًفسه يتكرّرحاليًا مع كتالونيا.


الانقسام بين أربيل والسيلمانيّة، هو الذي أدّى إلى انهيار حُلم مسعود البرزاني بالاستقلال وإقامته دولة كردستان المُستقلّة، وخسارة إرثه السياسي وعائلته، الانقسام هو الذي سيُؤدّي إلى إفشال حُلم الانفصاليين الكتالونيين في الانفصال، ومعارضو الانفصال داخلهم يَكسبون على الارض، وتتضخّم صُفوفهم نتيجة دعم الحُكومة المًركزيّة والاتحاد الأوروبي.


كارليس بوتشيمون، رئيس حُكومة إقليم كتالونيا، الذي قاد مَسيرة الاستقلال، ارتكب الخَطأ نفسه الذي ارتكبه السيد البرزاني، ولا نَستبعد أن ينتهي النهاية نفسها التي انتهت عليها استفتاء كردستان، أي خسارة أراضي، وانهيار اقتصادي، ونَبذ أوروبي، والعَودة مُكرهًا إلى مائدة المُفاوضات مع الحُكومة المَركزيّة، ووفق شُروط الأخيرة، تمامًا مِثلما هو حال السيد البرزاني.


الحزب الاشتراكي الإسباني اقترح صيغةً توفيقيّةً، وهي تحويل إسبانيا إلى دولةٍ فيدراليّة بصلاحياتٍ أقوى للأقاليم، ولكن بتشيمون رَفضها، ولذلك يَعتقد الكثير من المُراقبين، ونحن من بينهم، أنّه سيَدفع ثمنًا غاليًا نتيجة سُوء تَقديره، وسَتكون نهايته كسياسيٍّ وزَعيم شِبه مُؤكّدة.

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=11&id=48635