تحقيقات وتقارير

الترجمة مهنة ممتعة رغم صعوبتها


الإعلام تايم - باسل الشيخ محمد

 

اليوم العالمي للترجمة, عيد لا يحتفل فيه حتى المترجمون أنفسهم, فعلى الرغم من أن النظرة إلى المترجم تكاد تتلخص في أنه "رجل يقوم بمهمة جميلة رغم صعوبتها" فإن البعض ينظر بعين الاستغراب الممتزج بالإعجاب لمن يفهم لغة أخرى بتفاصيلها, بينما يعتبر البعض الآخر أن المترجم يقول نفس ما قد قيل لكن بلغة أخرى.


لكن الأمر ليس كذلك تماماً.....
تعتبر الترجمة واحدة من أصعب المهن الفردية, وذلك لأنها تتطلب تركيزاً مجهداً, ودأباً يطول أمده لإعداد بضعة صفحات, وكما تعلمون فإن تركيز الفكر لمدة طويلة يستنزف من الطاقة البشرية أضعافاً, أضف إلى ذلك أن الفكر لا يتوقف خلال العمل الدائم إن في زيادة الرصيد اللغوي أو مواكبة كل جديد, هذا ناهيك عن تذكر القديم, ثم هنالك الغوص في الجمل التي تحمل معنيين أو تحمل إيحاء ما, ثم أن العمل الكتابي متعب أيضاً من الناحية الجسدية علاوة على ذلك.
يجلس المترجم لساعات منحني الظهر ونظره يتنقل ما بين صفحة أمامه وقاموس على يمينه, وعبارة يصوغها بالشكل الأمثل من بين عدة خيارات تلوح في ذهنه. أما الترجمة الفورية فهي قصة أخرى, إذ على المترجم ان يتلقى ويلقي في فترة تقل عن ثوان, فلا مجال لتذكر كلمة لم تحضره ولا مجال لكي ينبه المتحدث أن كلامه سريع الوتيرة, على أن الترجمة الفورية تعتبر جوهرة التاج في مهنتنا هذه.
ومع ذلك... صدق من قال أنها مهنة ممتعة بما في الكلمة من معنى....
يمكن فهم تعلق المترجم بهذه المهنة رغم صعوبتها لكونها تبدأ أولاَ ميولاً شخصية ترتبط أو لا ترتبط بدراسة اللغة, فليس كل درس لغة مترجماً, مثلما أنه ليس جميع المترجمون خريجي لغة, وما إن يدخل المترجم مرحلة الإلمام بكل كبيرة وصغيرة حتى يكتشف أنه أحرق مراكب العودة من خلفه فلا يعود قادراً على امتهان سواها, لكن ميوله الفطرية تدفعه إلى المضي فيها, إذ ما عن يرى نصاً مذيلاً بتوقيعه حتى ينسى الساعات الطويلة التي تعلم وعمل خلالها.


غير أن القصة لا تنتهي هنا....
تتابع الصفحات المترجمة طريقها من بعده لتمر على قراء ينتظرون آخر ما توصل إليه الإنتاج الفكري العالمي, سواء في العلوم أو السياسة أو الطب أو الاختراعات وسوى ذلك, وهنا يكون الحكم للقارئ, فمن منتقد لأسلوب الترجمة لمن لم يعط المهنة حقها, إلى مشيد بحسن إيصال المعلومة وسبك جملها, وأذكر كم كانت الثناءات تنهال على النصوص التي ترجمها محمد توفيق البجيرمي وسامي الدروبي, رحمهما الله.
والوقع أن المترجم الدؤوب بحكم عمله هذا مطلع على ثقافات ليس بمقدور حبيس اللغة الواحدة الاطلاع عليها, هذا إن غلبت المهنة على تفكيره وبقي مواظباً على الاطلاع عقب الانتهاء من عمله.
وكما في مهن أخرى, ثمة مترجمون مهرة, أولئك الذين يطلعون بشكل دائم على أساليب الكتابة العربية والأجنبية, والمهتمون بزيادة رصيدهم اللغوي, ومنهم من يعتقد أن الترجمة على مستوى النقل تكفي, ويأتي في المرتبة الأخيرة من يعتمدون قص النص ونسخه على برنامج آلي, وهؤلاء في ازدياد.


ثمة صورة أوسع بالتأكيد....
جاء تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عام 2003 محذراً من تدهور واقع الترجمة في البلاد العربية, ولعل القارئ لاحظ أن نسبة الكتب المترجمة في المكتبات أقل مما كانت عليه أيام الثمانينات, وتكاد تكون محصورة بالروايات وبمذكرات السياسيين بعد تقاعدهم وشؤون الطهي  وتغيير حياتك في أيام معدودات...!


وأكاد أجزم أن للترجمة دوراً هاماً في المرحلة المقبلة لجهة ترميم المحتوى الثقافي والمعرفي العربي قبل أن يتحول الترميم إلى عملية إثراء, وفي الوقت نفسه فإنني على يقين بأن هذه المهنة –شانها كشأن المهن الأخرى- تستحق الاهتمام, ولعلنا في هذه المقالة القصيرة ننتهز الفرصة لتكريم من برعوا في هذه المهنة وقدموا للقارئ العربي مواداً لم تكن في متناول الكثيرين لولا جهدهم.
ومن هنا: أهنئ جميع من عرفتهم من مترجمين ومن لا أعرفهم, راجياً لهم دوام التوفيق.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=48159