وجهات نظر

"النصرة" وما ينضح من إناء رعاته

علي قاسم


الإعلام تايم - الثورة

 

تدخل الدول الداعمة للإرهاب حلبة التنافس في تقديم عروضها السياسية يميناً ويساراً في سباق محموم لمراجعة مشاهد تحالفاتها، وقد يكون لتعديل مقارباتها، ولا يتردد بعضها في المزايدة علانية، تتساوى في ذلك الدول التي كانت تتعاطى مع المسألة بحكم الدور الوظيفي.. أو تلك التي كانت تمارسه من بوابة المشاركة مع الأميركيين، وفي بعض الأحيان تجاوزته، وهي تدرك أنه من المبكر الدخول في جردة الحساب الطويلة، وربما من غير الجائز حتى اللحظة على الأقل الإبقاء على الوهم، والبدء بمواسم جديدة من تجارته التي باعوا فيها واشتروا طويلاً وأدمنها أغلبهم، إن لم يكن جميعهم.‏


فالواضح أن المتغيرات وصلت مرحلة دفعت بهم جميعاً إلى البحث في الأوراق القديمة أو إلى النبش في الدفاتر العتيقة، بعدما بات من شبه المحسوم عملياً أن الرهان على الإرهاب لم يعد مجدياً، وأنه بات عملة مفلسة تحتاج إلى تجديد تقتضيه جملة من الضرورات ذات الطابع القسري البحت، بحكم أن أغلب هذه الدول تأخر كثيراً في التقاط الفارق بين الهزيمة والخسارة، وعجز عن فهم نقاط الاختلاف بين جولات الصراع المفصلية وتلك التي كانت تحمل طابع المؤقت، وإن كان ثمة تباينات واضحة في سياق الاصطفاف السياسي الذي تدخله دول وأطراف جاهرت برهانها على الإرهاب، وربما أحرقت مراكبها سلفاً .‏


محاولات التعويم الذاتي بعد غياب أي مشروعية للتعويم الموضوعي يحول دونها الكثير من العقبات، فيما تتدحرج بقية التنظيمات وهي محشورة في خيارات لا تنفع معها محاولات الترقيع والبوابات الجانبية المحدثة، بما فيها المحمومة منها للاصطياد بمياه مناطق خفض التصعيد، وسيكون من العبث إعادة تكرار التجربة في تغيير لاسم هنا أو تبديل لتوصيف هناك، حيث كانت وستبقى محاطة بتراكم لا يمكن الفكاك منه أو الخلاص مما راكمته سنوات الإرهاب الموثّق.‏


من البداهة أن تأخذ الصيغ التركية أبعاداً تتجاوز سواها، ويحاول أن يجاريها في ذلك الأردن، وإن كان بأساليب أكثر التواءً في جدلية الحديث المتداول عن مخارج تجنب النصرة وما تبقى من مشتقاته مصير داعش، في وقت لا تخفي فيه الأجهزة التركية وصولاً إلى رأس النظام العلاقة القائمة والحسابات الكبيرة التي ترتبت عليها، والمعادلات التي أنشأتها تركيا ليبقى "النصرة" في نهاية المطاف خارج المقارنة المباشرة مع داعش، وربما تمكنت في بعض جوانبها أن تؤمن لها الحماية مؤقتاً، لكنها عجزت وستعجز عن صياغة مشهد يمكنها من الاغتسال منها حتى لو أخرجتها من جلدتها.‏


اللافت أن اللهاث التركي الحاضر بكل تفاصيله يستعجل كل ما من شأنه أن يؤجّل أي طرح أو حديث يمكن أن يؤسس لإجراءات فعلية تضع طريقة للتعاطي مع النصرة، باعتبار كلا الخيارين يوصل إلى الحصيلة ذاتها، فالنظام التركي يجد نفسه بين مطرقة الإدراك بفشل التعويل على الإرهاب، وسندان العلاقة وتراكماتها مع النصرة ومستنسخاته، لأن القضية ليست في اسم يتبدل ولا في تنظيم يتبدد، بل في سياق ما أنتجه من بيئة حاضنة ومفرخة مولدة لن تنتهي بحل التنظيم، بقدر ما ستجد لها مخارج وإضافات من خارج التداول وربما أحياناً من صلبه.‏


الأخطر يبقى ما يسوّق من حديث عن أن للضرورة أحكامها، وأن المشهد لا يمكن أن ينتهي بغالب أو مغلوب، وهو منطق مرفوض شكلاً ومضموناً، بل لا يمكن حتى النقاش فيه، لاعتبارات تتعلق بما راكمته المخاطر الناتجة عن التسويف السياسي، مضافاً إليها النفاق الغربي بنسخه المتعددة، بما فيها مقارباته التي يتحدث عنها، وأولوياته التي تبدلت تبعاً للمتغيرات الميدانية والسياسية، إذ لا يمكن مكافأة من دعم الإرهاب، ولا يجوز تحت أي مسمى أن ينال استحساناً لأنه يدعي الرغبة في التخلي عن الإرهاب، رغم اليقين بأنه غير قادر ولو حاول.‏


فالدول المتشاركة بحكم الدور الوظيفي أو بما اقتضته الأطماع والقصور السياسي لدى كثير من دول الغرب، لا يمكنها أن تكون غير ما هي عليه حتى لو حاولت، والقضية ليست رغبات أو أهواء، بقدر ما هي وقائع تجزم بشكل قاطع أن المشروع الغربي الذي استثمر في الإرهاب واستخدم الدول الإقليمية كأدوات لا يمكنه أن يفلت من تبعات ما ارتكبه الآن و لاحقاً، وأن الاستدارة الخجولة والمحرجة لبعض الغرب وكثير من دول الجوار التي تورطت في دعم الإرهاب لا تكفي بأي حال ولا تنفع، فالنصرة وكل مشتقاته وأسمائها المتبدلة أو المنحلة كانت الإناء الذي صب فيه الغرب استثماراته، وكل إناء بما فيه من إرهاب سينضح.‏

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=47634