تحقيقات وتقارير

وللعيد في حلب وقفات


الاعلام تايم _ رحاب ملحم


ازدحام وأضواء وزينات وزغاريد وحلويات وطقوس استثنائية تسود أحياء حلب في عيد الاضحى المبارك، محلات غصت بالألبسة والتي تفننت أيدي الماهرة في صنعها وطريقة عرضها لتجذب العدد الاكبر من المتسوقين، حلويات رتبت وصففت بطريقة هندسية رائعة ورائحة شهية وزينة جلها من الفستق الحلبي، إضافة الى الشوكولا ووالسكاكر المتعددة الانواع والالوان فيما تعبق رائحة القهوة في الأسواق لتنبئ عن قادم مميز يستحق كل هذا الفن والتعب وليكون على قدره ومتماشياً مع مايسوده من طقوس.. إنه عيد الاضحى الذي عاد وحلب قد نفضت غبار سنوات سبع عجاف من الحرب والاستهداف المباشر لها ولتاريخها وتراثها.


ازدحام منقطع النظير، المواطنون وكأنهم يتنادون ويتسابقون لينالوا نسيم تلك الليالي التي تنبئ باقتراب السرور والفرح، يبدأ التسوق فتزدحم المحال والأسواق بالرجال والنساء والأطفال.. فيما ذروة الازدحام تكون في وقفة العيد وتسهر المدينة حتى الفجر، مع أناشيد خاصة وأضواء خاصة، وفي تلك الايام  يغتنم التجارالفرصة الذهبية لبيع ما لديهم من بضائع مكدسة، معدة خصيصاً لتلك المناسبة.


الجدير بالذكر أن مدينة حلب تنتشر فيها أسواق من عدة درجات والتي تناسب المواطنين ودخلهم، فمنها ما هو شعبي كسوق الزهراوي والمحمص المختص ببيع الأحذية، ومنها ما هو أرفع شأناً كسوق الأشرفية، فيما يعد سوق سيف الدولة وشارع التلل أرفع وأرقى، لنصل للأكثر تميزاً كالعزيزية والسبيل والموكامبو والفرقان..


كيف كانت تستعد حلب للعيد أيام زمان؟
يذكر المؤرخ (الشيخ كامل الغزي) في كتابه نهر الذهب : فيقول :
(فإذا أطلقت مدافع العيد ابتدر الناس تهيئة طعام الفطور وتفتح الأسواق في تلك الليلة فيشتري الناس اللحم والبقول والحبوب والتوابل والحلوى وغير ذلك ثم يرجعون إلى بيوتهم فينامون إلى (الغَلَس: ظلمة آخر الليل)، ثم يقومون ويغتسلون ويلبسون أحسن ثيابهم ويصلون الصبح وصلاة العيد ويخرجون إلى المقابر فيزورون أمواتهم ويرجعون إلى بيوتهم فيفطرون.


كان يسهر أهالي المدينة في ليلة العيد حتى الصباح فتمتلئ المساجد بالمصلين لتأدية صلاة العيد، وهم يلبسون جديد ألبستهم المعطرة وبعد الصلاة يهنئ المصلون بعضهم بعضاً في المسجد أو في ساحة المسجد، ومن العادات الدارجة (خاصة في ريف المدينة) أن يجمع أحد الرجال (العيدية) لخطيب الجامع.


وبعد تناول طعام العيد (كاللبنية أو السماقية أو السفرجلية أو الفريكة باللحم .... الخ) تبدأ الزيارات فيبدؤون بمعايدة آبائهم وأمهاتهم وأرحامهم، ثم الأقارب والأصدقاء.. ويبقى عيد الأضحى المبارك  أربعة  أيام والبعض يزور في اليوم الأول ويستقبل الزوار في اليوم الثاني ولكل طبعه وعادته..


في تلك الأيام  تمتلئ جيوب الأطفال بالعيديات فيذهبون إلى مدينة الملاهي والسينما وركوب الخيل واستئجار الدراجات والسيارات.. وخلال زيارات العيد تقدم الضيافة كالقهوة والحلويات والشوكولا والراحة والفواكه.. وقد ألغى بعض الناس (طعام العيد) واستعاضوا عنه بالشواء بعد الظهر أو في المساء.


مما تجدر الإشارة إليه أنه في صباح العيد توزع العيدية على المحتاجين وحراس البنايات وعمال التنظيفات، إضافة إلى الأيتام والأرامل .


تنتشر في أيام العيد أكلات كالهيطلية والمهلبية وحلاوة الجبن والخبيصة الملونة على البسطات وفي بعض المحال في مركز المدينة علماً بأن معظم محلات المدينة مغلقة إلا المحال التي تبيع الألعاب والشهب والمفرقعات وتسالي الأطفال.


تختلف طقوس عيد الأضحى عن عيد الفطر إلا بأمرين:‏
أولهما: الأضحية تكون في أيام العيد الأربعة حيث تنحر الأضاحي وتوزع لحومها على الفقراء والمحتاجين والأقارب والجيران.‏
أما الأمر الثاني فهو زيارة جامع زكريا (المسجد الأموي) يوم وقفة الحجاج على عرفة..
بعد عيد الأضحى يبدأ الاستعداد لاستقبال الحجاج، فتزين بيوت (الحجاج) وتصنع الراحة لتوزيعها على الزوار..‏
ومن العادات الحلبية هي تجهيز مائدة عامرة بشتى أصناف الكبب والمحاشي واللحم بعجين حيث يتناول المستقبلون طعامهم مع الحاج العائد تواً من زيارة البيت العتيق.‏
ومن العادات أن يتم تصوير استقبال الحاج (بكاميرا الفيديو) وإطلاق العيارات النارية ابتهاجاً بعودة الحاج مظفراً من تأدية فرضه .‏‏

 

قال علامة حلب خير الدين الأسدي عن العيد في موسوعته الشهيرة:   ‏
(وبعد عيد الرجال يأتي عيد النسوان)‏.. ويهزج الأولاد قبيل العيد:‏
"بكرا عيد منعيّد مندبح بقرة السيّد‏
والسيد ما لو بقرة مندبح مرتو هالشقرا‏"
أما أنا فأقول: كنا نهزج في الأعياد حين كنا أطفالاً وندور في دروب القرية.‏
هذه الأهزوجة القريبة مما ذكره الأسدي:‏
بكرا عيد ومنعيّد ومندبح بقرة سعيّد‏
وسعيّد ما عندو بقرة مندبح مرتو ها لشقرا‏
والشقرا مالا ناموس مندبح مرتو ها لعاروس (العروس)‏
ويذكر الأسدي: ويهزجون أيضاً لدى انتهاء العيد‏
(خلص العيد وفرحاتو وأجا الشيخ وقتلاتو).


اختلفت المفاهيم.. وتبدلت العادات وخلصت التقاليد وصار في موضة جديدة للعيد اكتفت واختزلت تلك العادات واكتفت بشرب فنجان القهوة وقطعة الشوكوﻻ وراحت تلك الأيام وأصبحت من الماضي الجميل، نقف عندها لبضع من الدقائق ﻻ أكثر.. "وخليها على ربك خيي خليها".. ‏

 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=44&id=47621