وجهات نظر

باختصار : الناس في بلادي

زهير ماجد


الإعلام تايم - الوطن العُمانية


كنت لا أزال صغير السن حين أصر أخي الأكبر على مرافقتي له في السفر إلى دمشق التي تستقبل جمال عبد الناصر بمناسبة عيد الوحدة بين مصر وسورية من بعيد شاهدت تلك القامة التي منعتني الحشود الهائلة من الاقتراب إليها، فقد كان محاطا بالمحبين الذين وفدوا من الكثير من البلدان من أجل رؤيته .. يومها فهمت شيئا واحدا، إن الأمة بخير طالما أن هنالك رجلا يقودها، ولم أكن على وعي يسمح لي التفكير بالآتي الذي دائما يأتي بأشكال ومفاجآت فتضيع معه اللحظات الجميلة والذكريات المؤنسة.


منذ ذلك التاريخ حرصت على حضور مهرجانات الأحزاب التي كانت أساسية في تلك الفترة، وما زلت أتذكر ذلك الخطيب الذي صعد المنبر وصاح بأعلى صوته ” أمة العرب لن تموتي اتحداك باسمها يافناء”، وكيف دوت القاعة بالتصفيق ثم بدأ كل حزب ينشد من أدبياته ماتعلمه أعضاؤه.


كم كان رائعاً الفرح والصدق في التعبير، الشعوب صادقة في عواطفها، تعطي بسخاء مايتطلب منها، ولهذا تصاب بالإحباط بالسرعة ذاتها التي تحب فيها. من شاهد الناس أثناء هزيمة الخامس من يونيو 1967 وهو ضائعة ومصابة بالهلوسة لعرف تلك الحقيقة، وأصعب ماتعيشه الناس حين تريد الفعل ولا تستطيع أيضاً.


ثمة العديد من المذكرات عن تلك السنوات المنوعة في أشكالها، لكن ثمة من سيكتب عن هذه السنوات التي نعيشها ونتمنى بعقل بارد .. وأجمل ماأود قراءته وأكاد متلهفا له، ماقد يكتبه مقاتل في الجبهات، عاش وشارك ورأى من يسقط حوله، انتصر وانهزم، وعاش المرحلتين بحس متناقض. لابد أن يكتب مثل هؤلاء كي لاتضيع الفرص التي ينتظرها كثيرون مثلي، وسيكون هؤلاء أكثر صدقا من السياسيين. على رغم رأينا في الحرب العراقية الإيرانية، فإن الطرفين العراقي والإيراني سجلاها بقصص وروايات حقيقية حصلت مع مقاتلين في الجبهة وغيرها .. وأذكر أن صدام حسين كلف أبرز المثقفين في العراق جبرا إبراهيم جبرا ليكون حكما على ماكتبه المقاتلون العراقيون وتم على إثره توزيع جوائز مهمة.


لاشك أن للحروب ثقافتها الخاصة، من يقرأ “الحرب والسلم ” لتولستوي يتعرف على هذا الأمر، ففي الحرب مشاعر لها خصوصية لاتوجد إلا أثناءها، وبالتالي لها لغتها الخاصة. إنها الحقيقة في أبعد صورها، لايملك فيها الكاتب الذي عاشها على حقيقتها سوى أن يعبر عنها بأكبر حس متفوق في لغته التعبيرية وفي الصور الإنسانية.


واليوم أيضا، ورغم الأحداث الهائلة التي عشناها، وهي عديدة وبأشكال مختلفة، فإن عقلنا يأبى إلا أن يقاتل مع المقاتلين ويعيش حياة من يقود المرحلة ويلامس الشهداء حين يسقطون هنالك إحساس بكل هذا ، ووعي به وإدراك .. صحيح أن الخيارات ضاقت بنا حين تم حصار سورية في بداية المؤامرة عليها، وكنا قبلها نجهد في أن نتنفس بشكل طبيعي لما شاهدناه في العراق إبان احتلالها من الأميركي والبريطاني، إلا أن سورية بالذات وضعتنا أمام أصعب الأسئلة وكم تمنينا الموت قبل أن يأفل المشهد السوري على ماكنا نتخوف منه، لكننا اليوم نتنفس بحرية، وتتعزز لدينا الثقة أكثر فأكثر بأن الانتصار السوري هو ماعشنا من أجل أن نراه، إذا ماذكرنا كم الهزائم التي حصلت، والتي لولا بعض ماقدمه حزب الله في لبنان من نقلات انتصار لأصابنا في الصميم.
 

Copyrights © al-elam.com

المصدر:   http://emediatc.com/?page=show_det&category_id=15&id=47617